ومدين (?) في الطريق من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مصر، وهي بين جبال شامخة متكائدة (?) ، وبقرب مدين البئر التي استقى منها موسى عليه السلام، قد بني على أسها بيت من صخر فيه قناديل معلقة، وبها كهف شعيب كان يؤوي إليه غنمه، وفي الجبال التي هناك بيوت منقورة في صخر صم قد حفر في البيوت قبور، وفي تلك القبور عظام بالية كأمثال عظام الإبل، يكون مقدار كل بيت عشرين ذراعاً أو نحوها ولتلك البيوت روائح خبيثة لا يدخل الداخل فيها حتى يضع يده على أنفه من شدة النتن، يقال إنهم لما أخذهم عذاب يوم الظلة دخلوا فيه فهلكوا، وبقرب هذه البيوت تلال تراب عظيمة قيل إنها كانت مواضعهم (?) عامرة فخسف بها.
ومع (?) يهود مدين كتاب يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لهم، وهم يظهرونه للناس حتى الآن، وهو في قطعة أديم قد اسودت لطول الزمن عليها، إلا أن خطها بين، وفي آخره: وكتب علي بن أبي طالب، غير معرب (?) ، وقال قوم: إنه بخط معاوية بن أبي سفيان، ولم يذكر علياً، وهو عند أهل قرية من ساحل مدين يقال لها مسي، ومن هناك لا تزال تسير والجبال تيامنك والبحر بيسارك حتى تفضي إلى أيلة.
على سبعة فراسخ من بغداد على حافتي دجلة، فبهرسير هي المدينة الدنيا، وهي على أحد جانبيها مما يلي المشرق، وقصر كسرى وهو الإيوان هي المدينة القصوى، وهو القصر الأبيض الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وبها كان مقام الأكاسرة. وتلقاء مقعد الملك من سقف الإيوان حلقة من ذهب كان يعلق التاج منها بسلسلة من ذهب.
والمدائن (?) هي كانت دار مملكة الأكاسرة، والفرس اختاروها من مدن العراق، وكان أول من نزلها أنوشروان، وهي عدة مدن في جانبي دجلة الشرقي والغربي، منها المدينة التي يقال لها العتيقة، وفيها القصر الأبيض القديم الذي لا يدرى من بناه، وفي الجانب الشرقي أيضاً مدينة يقال لها أسبانبر، وفيها إيوان كسرى العظيم الذي ليس للفرس مثله، ارتفاع سمكه ثمانون ذراعاً، وبين المدينتين مقدار ميل، وفي هذه المدينة قبر سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، ثم مدينة يقال لها الرومية، وبها كان أبو جعفر المنصور أمير المؤمنين وبها قتل أبا مسلم داعية بني العباس، وفي الجانب الغربي من دجلة مدينة يقال لها بهرسير، ثم ساباط على فرسخ من بهرسير.
وهذه المدائن كلها هي المدائن وافتتحها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
وذكر أن الاسكندر، وهو كان أحد ملوك الأرض، وقيل إنه ذو القرنين المذكور في القرآن بلغ مشارق الأرض ومغاربها وله في كل إقليم أثر فبنى بالمغرب الإسكندرية، وبخراسان العليا سمرقند ومدينة الصغد، وبناحية الجبل جي وهي أصبهان، وبنى مدناً أخر في نواحي الأرض وأطرافها، وجال الدنيا كلها ووطئها فلم يختر منها منزلاً سوى المدائن، فنزلها وبنى بها مدينة عظيمة، وجعل عليها سوراً أثره باق، وهو المدينة التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، وأقام الاسكندر بها راغباً عن بقاع الأرض كلها وعن بلاده ووطنه، ولم تزل مستقره مذ نزلها حتى مات بها، وحمل منها فدفن بالإسكندرية مكان أمه، فإنها كانت إذ ذاك باقية هناك، وكذلك ملوك الأكاسرة كلهم اختاروا المدائن وما جاورها منزلاً لصحة تربتها وطيب هوائها واجتماع مصب دجلة والفرات بها، فلم تزل دار مملكة الأكاسرة ومحل كبار الأساورة، ولهم بها آثار عظيمة وأبنية قديمة، منها الإيوان والقصر الأبيض المذكور جميع ذلك في سينية أبي عبادة.
ولما فرغ (?) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه من القادسية أمره عمر رضي الله عنه بالمسير إلى المدائن وأن يخلف النساء والعيال بالعتيق ويجعل معهم كنفاً (?) من الجند ففعل، وعهد إليه أن يشاركهم في كل مغنم ما داموا يخلفون المسلمين في عيالاتهم، فقدم سعد زهرة بن الحوية نحو اللسان، وهو لسان البر الذي