لقد أيد الله المقام المكرما ... وسنى له الصنعين فتحاً ومغنما
بإفريقية، مدينة قديمة، فيها مقطع حجار الأرحاء لا يعدلها شيء من الحجارة، وبينها وبين مرماجنة مرحلة كبيرة، وهي مدينة صغيرة عليها سور تراب، وكان يزرع بها قديماً بصل الزعفران، ولها واد غزير الماء يأتي من جبل بمقربة منها يزرعون عليه غلاتهم، وهو جبل شاهق ومنه تقطع أحجار المطاحن التي إليها تنتهي الجودة وحسن الطحن، حتى إن الحجر الواحد منها ربما مر عليه عمر الإنسان فلا يحتاج إلى نقاش لصلابته ودقته، والعرب متغلبة على أرضها، وبينها وبين القسنطينة ثلاث مراحل.
بمكة معروف مأخوذ من الحصباء، وقال الشاعر:
ولم أر ليلى قبل موقف ساعة ... بخيف منى ترمي جمار المحصب
واد بالمزدلفة وهو جمع، وعن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عرفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرنة، وجمع كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر ".
مدينة على الدجلة، وعلى مسيرة يوم من البصرة، وبالقرب من مدينة عبادان، سماها بذلك الدعي المتغلب على البصرة سنة ثمان وخمسين ومائتين، وهو المعروف بصاحب الزنج، وكان حاصرها وقتل من أهلها ثلثمائة ألف، وقتل بعد أن دخلها مائتي ألف، وحرق عامتها وهدم المسجد الجامع وحرقه بالنار، واسمه محمد بن علي بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، وخرج في خلافة المعتمد والمهتدي بالله العباسي، وكان الذي طاوله في تلك الحروب طلحة بن جعفر المتوكل المعروف بالموفق إلى ثلاث سنين وثمانية أشهر إلى أن قتله، وسيق رأسه إلى بغداد وطيف به، وكان يوماً عظيماً، وكان هذا
الدعي سكن المختارة بسودانه الذين قاموا معه من عبيد أهل البصرة وغيرهم، وكانت مدته إلى أن قتل ست عشرة سنة، وكان موته بسهم أصابه في نحره بين الصفين وهو ينشد:
لميتة يلقها الإنسان واحدة ... خير له من لقاء الموت تارات وقصته مشهورة، وهي أطول من هذا.
سجن بناه علي رضي الله عنه بالكوفة، قال الخليل: هو بفتح الياء، سجن الحجاج، لأنه موضع التخييس.
مدين (?) :
بالشام على ساحل بحر القلزم، وهي أكبر من تبوك، وبها البئر التي استقى منها موسى عليه السلام لسائمة شعيب عليه السلام قال الله تعالى " ولما ورد ماء مدين "، ويحكى أنها بئر معطلة (?) ، وسميت مدين بالقبيلة التي كان منها شعيب عليه السلام، وفيها معايش ضيقة وتجارات كاسدة، ومن مدين إلى أيلة خمس مراحل.
ومدين الذي سميت به البلدة هو مدين بن إبراهيم عليه السلام. وفي القرآن " وإلى مدين أخاهم شعيباً "، وقال بعضهم (?) : لم يكن شعيب عليه السلام من ذرية إبراهيم عليه السلام، وإنما هو من ذرية بعض من آمن به، وهم أصحاب الأيكة من ولد مدين بن إبراهيم، وسلط الله على قومه حراً شديداً أخذ بأنفاسهم، ثم بعث الله سحابة فوجدوا لها برداً، فلما صاروا تحتها أرسلها عليهم ناراً، فذلك قوله تعالى " فأخذهم عذاب يوم الظلة "، فاحترقوا كما يحترق الجراد في المقلى، وكانوا أهل كفر بالله وبخس في المكيال والميزان.
وزعم قوم أن أهل مدين بعث الله إليهم شعيباً من العرب العاربة والأمم الدائرة وليسوا من ولد مدين بن إبراهيم.