أدلعه في الريف، وعليه الكوفة اليوم وكانت عليه قبل اليوم الحيرة، وكان النخيرجان معسكراً به، فارفض ولم يثبت حين سمع بمسيرهم ولحق بأصحابه.
ثم قدم (?) سعد العساكر عليهم أمراؤه ثم ارتحل يتبعهم بعد الفراغ من أمر القادسية، وكل المسلمين فارس مؤد، قد نقل الله عز وجل إليهم ما كان في عسكر فارس من كراع وسلاح ومال، فسار زهرة حتى نزل الكوفة وهي حصباء ورملة حمراء، ومضى زهرة إلى المدائن، فلما أتى برس لقيه بصبهرى في جمع فناوشهم زهرة فهزمهم وهربوا إلى بابل، وبها فالة الفارسية وبقايا رؤسائهم، وكان زهرة قد طعن بصبهرى في يوم برس فمات من طعنته بعد ما لحق ببابل، وأقبل عند ذلك دهقان برس، وهو بسطام، فاعتقد من زهرة وعقد لهم الجسور وأتاه بخبر الذين اجتمعوا ببابل، فكتب بذلك زهرة إلى سعد، فأتاه الخبر وقد نزل بالكوفة على من بها مع هاشم بن عتبة، فقدمهم ثم اتبعهم، فنزلوا على الفيرزان ببابل، فاقتتلوا فهزموا المشركين في أسرع من لفت الرداء، فانطلقوا على وجوههم (?) ، ولم يكن لهم همة إلا الإفتراق، فخرج الهرمزان نحو الأهواز وخرج الفيرزان حتى طلع على نهاوند وبها كنوز كسرى فأخذها وأكل الماهين، وصمد النخيرجان ومهران الرازي للمدائن حتى عبرا بهرسير إلى جانب دجلة الآخر، ثم قطعا الجسر.
ونزل سعد (?) بالناس على بهرسير شهرين يرمونهم بالمجانيق ويدبون إليهم بالدبابات ويقاتلونهم بكل عدة، وكان سعد عندما نزلها وعليها خنادقها وحرسها وعدة الحرب استصنع شيرزاد المجانيق، وكان اعتقد منه بأداء الجزية، فنصب على أهلها عشرين منجنيقاً فشغلهم بها، وقاتلهم المسلمون، وكانت على زهرة بن الحوية يومئذ درع مفصومة، فقيل له: لو أمرت بهذا الفصم، فسرد فقال: ولم؟ فقالوا: إنا نخاف عليك منه، فقال: إني لكريم على الله تعالى ان ترك سهم فارس الجند كله ثم أتاني من هذا الفصم حتى يثبت في، فكان أول رجل من المسلمين أصيب يومئذ بنشابة نشبت فيه من ذلك الفصم، فأرادوا نزعها فقال: دعوني فإن نفسي معي ما دامت في، لعلي أن أصيب فيهم بطعنة أو ضربة أو خطوة، فمضى نحو العدو فضرب بسيفه شهربراز من أهل اصطخر فقتله، وأحيط به فقتل وانكشفوا، وقيل بل غيره صاحب القضية، لأن الصحيح أن موته كان بعد ذلك.
وأشرف (?) على الناس وهم يحاصرون بهرسير رجل من الفرس فقال: يقول لكم الملك هل لكم إلى المصالحة على أن لنا ما بيننا وبين دجلة وجبلنا، ولكم ما يليكم من دجلة إلى جبلكم؟ أما شبعتم لا أشبع الله بطونكم؟ فبدر الناس أبو مفزر (?) الأسود بن قطبة، فأنطقه الله عز وجل بما لا يدري ما هو ولا نحن، فأجابه بالفارسية ولا يعرف منها شيئاً هو ولا نحن، فرجع الرجل ورأيناهم يقطعون إلى المدائن فقلنا: يا أبا مفزر، ما قلت لهم؟ قال: لا والذي بعث محمداً بالحق ما أدري ما هو، إلا أني غلبتني سكينة، وأرجو أن أكون أنطقت بالذي هو خير، وانتابنا الناس يسألونه حتى سمع ذلك سعد فجاءنا فقال: يا أبا مفزر: ما قلت لهم، فوالله إنهم لهراب؟ فحدثه بمثل حديثه إيانا، فنادى في الناس ثم نهد بهم فما ظهر على المدينة أحد ولا خرج إلينا إلا رجل نادى بالأمان، فأمناه، فقال: ما بقي أحد فيها، فما يمنعكم، فتسورها الرجال وافتتحناها فما وجدنا فيها شيئاً ولا أحداً إلا أسارى أسرناهم خارجاً منها، فسألناهم وذلك الرجل: لأي شيء هربوا؟ فقال: بعث إليكم الملك يعرض عليكم الصلح فأجبتموه إنه لا يكون بيننا وبينكم صلح أبداً حتى نأكل عسل افريذين بأترج كوثا، فقال الملك: واويلاه، أرى ملائكة تكلم على ألسنتهم فترد علينا وتجيبنا عن العرب، ووالله لئن لم يكن كذلك ما هو إلا شيء ألقي على في هذا الرجل لننتهي، فأرزوا إلى المدينة القصوى. ثم دخل سعد بهرسير وأمر بها فثلمت وتحول العسكر إليها، ولاح لهم في جوف الليل القصر الأبيض، فقال ضرار بن الخطاب: الله أكبر أبيض كسرى هذا ما وعد الله ورسوله، وتابع التكبير حتى أصبحوا.
وقال القعقاع بن عمرو من شعر له:
فتحنا بهرسير بقول حق ... أتانا ليس من سجع القوافي