وزوجته أم الدرداء رضي الله عنهما، وفضالة بن عبيد، وسهل بن الحنظلية، ومعاوية بن أبي سفيان وأخته أم المؤمنين أم حبيبة، وواثلة بن الأسقع، وبلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأويس القرني، وخلفاء بني أمية رضي الله عنهم.
ولدمشق ثمانية أبواب: باب شرقي، وهو شرقي المدينة، وفيه منارة بيضاء يقال إن عيسى عليه السلام ينزل فيها كما جاء في الأثر أنه ينزل في المنارة البيضاء شرقي دمشق، ويلي هذا الباب باب توما، ثم باب السلامة، ثم باب الفراديس، ثم باب الفرج، ثم باب النصر، ثم باب الجابية، ثم باب الصغير. والأرباض تطيف بالبلد كله إلا من جهة الشرق مع ما يتصل بالقبلة يسيراً وله أرباض كثيرة، والبلد ليس بمفرط الكبر وهو مائل للطول، وفي داخل البلد كنيسة لها عند الروم شأن كبير تعرف بكنيسة مريم، ليس بعد بيت المقدس عندهم أفضل منها، وهي بأيدي الروم لا اعتراض عليهم فيها.
وبالبلد نحو عشرين مدرسة ومارستانان، أحدهما جاريه في اليوم نحو الخمسة عشر ديناراً وله قومة برسم المرضى والنفقة التي يحتاجون إليها في الأدوية والأغذية، والأطباء يبكرون إليه كل يوم ويأمرون بإعداد ما يصلحهم من الأدوية والأغذية، وفيه مجانين معتقلون لهم ما يخصهم من العلاج، وهم في سلاسل موثقون، نعوذ بالله من البلاء. ومن أغرب أحاديثهم أن رجلاً كان يعلم القرآن، وكان يقرأ عليه صبي من أهل البلد اسمه نصر الله هام به المعلم وزاد كلفه به حتى اختل عقله وأوى إلى المارستان، واشتهرت علته وفضيحته بالصبي، فقيل له: اخرج وعد إلى ما كنت عليه من القرآن، فقال متماجناً: وأي قراءة بقيت لي؟ ما بقي في حفظي من القرآن شيء سوى: " إذا جاء نصر الله والفتح " فضحك منه، نسأل الله العافية، وما زال هناك حتى مات، لطف الله به.
وأما رباطات الصوفية التي يسمونها الخوانق فكثيرة، وهي قصور مزخرفة، في جميعها الماء يطرد. وهناك ديار موقوفة لقراءة كتاب الله تعالى يسكنونها، ومرافق الغرباء أكثر في البلد من أن تحصى لا سيما لحفاظ كتاب الله تعالى والمنتمين للطلب. وبهذه البلدة قلعة يسكنها السلطان منحازة في الجهة الغربية وهي بازاء باب الفرج، وبها جامع السلطان. وبهذه البلدة قرب مائة حمام، وفي أرباضها نحو أربعين داراً للوضوء يجري الماء فيها كلها، وهي أحسن البلاد للغريب لكثرة المرافق، وأسواقها من أحفل أسواق البلاد وأحسنها انتظاماً ولا سيما قيساريتها.
وأهل دمشق يمشون أمام الجنازة بقراء يقرأون القرآن بأصوات شجية وتلاحين مبكية برفيع أصواتهم، وكلهم يمشون وأيديهم إلى خلف، قابضين بالواحدة على الأخرى، ويركعون للسلام على تلك الحالة، والمحتشم منهم من يسحب أذياله على الأرض شبراً ويضع خلفه اليد الواحدة على الأخرى، ويستعملون المصافحة إثر الصلوات لا سيما إثر صلاة الصبح وصلاة العصر.
ودمشق (?) جامعة لصنوف المحاسن وضروب الصناعات وأنواع الثياب الحرير كالخز والديباج النفيس ويتجهز به إلى جملة الآفاق، وفي داخل دمشق على أوديتها أرحاء كثيرة جداً، وبها من الحلاوات ما لا يوجد بغيرها، وأهلها في خصب أبداً، وهي أعز البلاد الشامية وأكملها حسناً.
وكان الوليد فرش داخل المدينة بالرخام الأبيض المختم باللازورد تختيماً متداخلاً من أصل الحلقة، وحيطان المسجد بالفسيفساء وسقفه لا خشب فيه وهو مذهب كله، وله ثلاث منارات: المنارة الواحدة التي في مؤخر المسجد واثنتان في غربه وشماله والمسجد مذهب كله من أعلاه إلى أسفله ذهباً وفسيفساء، وفي صحن المسجد قبة قد أحكمت صنعتها وأتقنت أشد الإتقان، فيها فوارة من نحاس محكمة العمل يفور منها الماء ويرتفع نحو القامة ثم ينزل في حوض رخام بديع ويستدير بهذه القبة شباك من حديد، وسطح الفوارة فسيفساء فيه صور غزلان وغيرها من الحيوان، فإذا أشرفت على الفوارة وهي مملوءة ماء رأيت منظراً أنيقاً. وعند الباب الشرقي من المسجد قبة في أعلاها قناة رصاص ولها أنابيب من نحاس قد أخرجت من حدود القبة توقد فيها السرج، وفي حيطان المسجد قناة للماء بأقفال ينزل ماؤها في حياض رخام في وسط كل حوض عمود من نحاس يندفع منه الماء مرتفعاً علواً، وفي أعلى مسجد دمشق قبة خضراء مشرفة جداً. وجبانة دمشق في الجنوب منها، يكون طولها ميلاً في مثله.
قالوا (?) : ومر الوليد بن عبد الملك حين بنى مسجد دمشق برجل ممن يعمل في المسجد وهو يبكي، فقال: ما قصتك قال: