سارية وثماني (?) أرجل جصية واثنتان مرخمة ملتصقة معها في الجدار الذي يلي الصحن، وأربع (?) أرجل مرخمة أبدع ترخيم مرصعة بفصوص الرخام ملونة قد نظمت خواتيم وصورت محاريب وأشكالاً غريبة قائمة في البلاط الأوسط، دور كل رجل منها اثنان وسبعون شبراً، ويستدير بالصحن بلاط من ثلاث جهات: الشرقية والغربية والشمالية، وسعة الصحن حاشا المسقف القبلي والشمالي مائة ذراع، وعدد شمسيات الجامع الزجاجية المذهبة الملونة أربع وسبعون.

وفي الجامع ثلاث مقصورات: مقصورة الصحابة رضي الله عنهم وهي مقصورة معاوية رضي الله عنه، هو أول من وضعها وبإزاء محرابها باب حديد كان يدخل منه معاوية إلى المقصورة، وبإزاء محرابها مصلى أبي الدرداء رضي الله عنه وخلفها كانت دار معاوية رضي الله عنه، وهو اليوم سماط عظيم للصفارين بطول جدار الجامع القبلي (?) .

وفي الجامع عدة زوايا يتخذها الطلبة للنسخ والدرس والانفراد عن ازدحام الناس، وهي من جملة مرافق الطلبة. وفي الجدار المتصل بالصحن المحيط بالبلاطات القبلية عشرون باباً قد علتها قسي جصية كلها مخرمة على شبه الشمسيات.

وللجامع ثلاث صوامع: واحدة في الجانب الغربي وهي كالبرج المشيد تحتوي على مساكن متسعة وزوايا فسيحة يسكنها أقوام من الغرباء أهل الخير، وبها كان معتكف أبي حامد الغزالي، وثانية بالجانب الغربي،، وثالثة (?) بالجانب الشمالي. وللجامع مال عظيم من خراجات ومستغلات تنيف على الثمانية آلاف دينار في السنة.

وكان هذا الجامع ظاهراً وباطناً منزلاً كله بالفصوص المذهبة مزخرفاً بأبدع زخارف البناء فأدركه الحريق مرتين فتهدم وجدد وذهب أكثر رخامه واستحال رونقه. ومحرابه من أعجب المحاريب الإسلامية حسناً وغرابة صنعة يتقد ذهباً كله قد قامت في وسطه محاريب صغار، وفي الركن الشرقي من المقصورة الحديثة في صف المحراب خزانة كبيرة فيها مصحف عثمان الذي وجه به إلى الشام، وتفتح الخزانة كل جمعة إثر الصلاة فيتبرك الناس بلمسه وتقبيله، ويكثر الزحام عليه. وهناك مشهد كبير حفيل كان فيه رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما ثم نقل إلى القاهرة.

وعن يمين الخارج من باب جيرون غرفة لها هيئة طاق كبير مستدير فيه طيقان صفر وقد فتحت أبواباً صغاراً على عدد ساعات النهار ودبرت تدبيراً هندسياً، فعند انقضاء ساعة من النهار سقطت صنجتان من صفر من فمي بازيين مصورين من صفر قائمين على طاس صفر تحت كل واحد منهما، أحدهما تحت أول باب من تلك الأبواب والثاني تحت آخرها، والطاستان مثقوبتان. ويستدير بالجامع أربع سقايات في كل جانب سقاية، واحدة منها كالدار الكبيرة محدقة بالبيوت والماء يجري في كل بيت، وإحدى هذه السقايات في دهليز باب جيرون وهي أكبرها، فيها من البيوت نيف على ثلاثين، والبلد كله سقايات قل ما تخلو سكة من سككه أو سوق من أسواقه من سقاية.

قالوا: ورأس يحيى بن زكريا عليهما السلام مدفون بالجامع في البلاط القبلي قبالة الركن الأيمن من المقصورة الصحابية، وعليه تابوت خشب معترض من الأسطوانة إلى الأسطوانة، وفوقه قنديل كأنه من بلور مجوف كالقدح الكبير.

وفي الجهة الشمالية من البلد وعلى مقدار فرسخ منه غار مستطيل ضيق قد بني عليه مسجد كبير مرتفع مقسم على مساجد كثيرة كالغرف المطلة، وعليه صومعة عالية، ومن ذلك الغار رأى إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم الكوكب ثم القمر ثم الشمس حسبما ذلك مذكور في الكتاب العزيز، ذكر ذلك ابن عساكر. وهناك مغارة صلى فيها إبراهيم وموسى وعيسى ولوط وأيوب صلوات الله وسلامه عليهم. ولكل مشهد من تلك المشاهد أوقاف معينة. وهناك الربوة المباركة التي أوى إليها المسيح عليه السلام وأمه، وهناك بيت يقال إنه مصلى الخضر، وهذه الربوة رأس بساتين البلد ومنها ينقسم الماء على سبعة أنهار ولهذه الربوة أوقاف من بساتين وأرض بيضاء.

وبغربي البلد جبانة تعرف بقبور الشهداء فيها كثير من الصحابة والتابعين والأئمة الصالحين، فمنها قبر أبي الدرداء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015