هو باب الفراديس وهو باب كيسان (?) ، ونهرها يحيط بمدينتها من كل ناحية حتى يلتقي من جهة الغوطة، وفي باب توما أربعة أنهار: نهر برزة ونهر ثورا (?) ونهر يزيد ونهر القناة، وتسير في مدينة دمشق حتى تنتهي إلى باب الفراديس مقدار ميل إلى عين حران، وهي ثلاث ديارات، وقصر ابن طولون إلى جانبه، ومما يلي الباب الغربي وهو باب الجابية المصلى، وتسير من المدينة في بساتين إلى باب صغير وعليه خمس صوامع للرهبان. وفي سور دمشق فتح كالأبواب تدخل منها الأنهار إلى المدينة وهي تجري داخل المدينة وتخرق دورها وأسواقها، والأسواق كلها مسقفة على هيئة سقوف المسجد الجامع بها، وأرضها مفروشة.
ومسجد جامعها بناه الوليد بن عبد الملك سنة ثمان وثمانين، وهو داخل المدينة وليس (?) على وجه الأرض مثله بناء ولا أحسن صفة ولا أتقن إحكاماً ولا أبدع منه تلميعاً بأنواع الفصوص المذهبة والآجر المحكوك والمرمر المصقول، فمن جاء من ناحية باب جيرون صعد إليه في درج رخام نحواً من ثلاثين درجة، ومن قصده من ناحية باب البريد والقبة الخضراء وباب الفراديس كان مدخله مع الأرض بغير درج. ومن عجيب شأنه أنه لا تنسج به العنكبوت ولا يدخله الطائر المعروف بالخطاف، وفيه آثار عجيبة منها الخزان (?) ، والقبة التي فوق المحراب عند المقصورة يقال إنها من بناء الصابئة، وكان مصلاهم بها، ثم صار في أيدي اليونانيين فكانوا يعظمون فيه دينهم ثم صار بعدهم لعباد الأوثان، فكان موضعاً لأصنامهم، ثم انتقل إلى اليهود فقتل في ذلك الزمان يحيى بن زكريا فنصب رأسه على باب المسجد المسمى بباب جيرون، ثم تغلب عليه النصارى فحولته بيعة يقيمون بها دينهم، ثم افتتحها المسلمون فاتخذوه جامعاً، فلما كان في أيام الوليد بن عبد الملك بن مروان جعل أرضه رخاماً ومعاقد رؤوس أساطينه ذهباً ومحرابه مذهباً وسائر حيطانه مرصعة بأشباه الجوهر، والسقف كله مكتب بأحسن صنعة وأبدع تنميق، وأنفق في هذا المسجد خراج الشام كله سنتين.
وكان (?) بعث إلى ملك الروم بالقسطنطينية يأمره باشخاص اثني عشر ألف صانع من جميع بلاده، وتقدم إليه بالوعيد في ذلك إن توقف عنه، فامتثل أمره مذعناً بعد مراسلة جرت بينهما في ذلك، فشرع في بنائه وبلغ الغاية في التأنق فيه، وأنزلت جدره كلها بفصوص الفسيفساء وخلطت بأنواع من الأصبغة الغريبة وقد مثلت أشجاراً وفرعت أغصاناً منظومة بالفصوص ببدائع من الأصبغة الغريبة، فجاء يعشي العيون وميضاً، وكان مبلغ النفقة حسبما ذكره ابن المعلى الأسدي (?) في بنيانه أربعمائة صندوق، في كل صندوق ثمانية وعشرون ألف دينار، فكان مبلغ الجميع أحد عشر ألف ألف دينار ومائتي ألف دينار. والوليد هو الذي أخذ نصف الكنيسة الباقية منه في أيدي النصارى وأدخلها فيه لأنه كان قسمين: قسماً للمسلمين وقسماً للنصارى، وهو الغربي، لأن أبا عبيدة ابن الجراح رضي الله عنه دخل البلد من الجهة الغربية فانتهى إلى نصف الكنيسة وقد وقع الصلح بينه وبين النصارى، ودخل خالد بن الوليد رضي الله عنه عنوة من الجهة الشرقية وانتهى إلى النصف الثاني وهو الشرقي، فاختاره المسلمون وصيروه مسجداً، وبقي النصف المصالح عليه وهو الغربي كنيسة بأيدي النصارى إلى أن عوضهم منه الوليد فأبوا ذلك فانتزعه من أيديهم قسراً وطلع لهده بنفسه، وكانوا يزعمون أن الذي يهدم كنيستهم يجن، فبادر الوليد وقال: أنا أول من يجن في الله تعالى، وبدأ بالهدم بيده فبادر المسلمون هدمه، واستعدوا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أيام خلافته وأخرجوا العهود التي بأيديهم من الصحابة رضي الله عنهم في إبقائه عليهم فهم بصرفه إليهم فأشفق المسلمون من ذلك، ثم عوضهم من ذلك بمال عظيم أرضاهم به فقبلوه. ويقال إن أول من وضع جداره القبلي هود عليه السلام، وفي أثر أنه يعبد الله تعالى فيه بعد خراب الدنيا أربعين سنة، وذرعه في الطول من المشرق إلى المغرب مائتا خطوة وهما ثلثمائة ذراع، وعرضه من القبلة إلى الشمال مائة خطوة وخمس وثلاثون خطوة وهي مائتا ذراع، فيكون تكسيره من المراجع أربعة وعشرين مرجعاً، وهو تكسير مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الطول في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القبلة إلى الشمال، وبلاطاته المتصلة بالقبلة ثلاث مستطيلة من المشرق إلى المغرب، سعة كل بلاطة ثمان عشرة خطوة، والخطوة ذراع ونصف، وقد قامت على ثمانية وستين عموداً، منها أربع وخمسون