وحاجهم ووعظهم، فرجع منهم ستة آلاف، رجعوا إلى الكوفة، وبقي من بقي منهم، ثم اجتمعوا على البيعة لعبد الله بن وهب الراسبي، ومضى القوم إلى النهروان ومضى إليهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقال: ما الذي نقمتم على أمير المؤمنين؟ قالوا: قد كان للمؤمنين أميراً فلما حكم في دين الله تعالى خرج من الإيمان، فليتب بعد إقراره بالكفر نعد له. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ينبغي لمؤمن لم يشب إيمانه شك أن يقر على نفسه بالكفر، قالوا: إنه حكم، قال: إن الله تعالى قد أمر بالتحكيم في قتل صيد فقال: " يحكم به ذوا عدل منكم " فكيف في إمامة قد أشكلت على المسلمين؟ قالوا: إنه حكم عليه فلم يرض، قال: إن الحكمين لما خالفا نبذت أقاويلهما، كما في الإمامة إذا فسق الإمام وجبت معصيته، فقال بعضهم لبعض: لا تجعلوا احتجاج قريش حجة عليكم فإن هذا من القوم الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: " بل هم قوم خصمون " وقال عز وجل " وتنفر به قوماً لداً "، وقال مصعب بن سعد: سألت أبي عن هذه الآية " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا " أهم أهل حروراء؟ قال: هم اليهود والنصارى كذبوا وكفروا، لكن الحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، وكان يسميهم الفاسقين، وآل الأمر إلى أن تجبروا وخرج إليهم علي رضي الله عنه فأوقع بهم بالنهروان، وفي شرح ذلك طول ليس هذا موضعه.
مدينة من ديار مضر، قديمة عتيقة، لا يدرى متى بنيت، يقال بناها هران أخو إبراهيم عليه السلام وهو أبو لوط عليه السلام، ويقال هارن، وإليه تنسب حران، وهي مدينة الصابئين ولهم بها تل عليه مصلاهم، وهم يعظمونه وينسبونه إلى إبراهيم عليه السلام، وهي من غر البلاد لكنها قليلة الماء والشجر ولها رساتيق وعمارات وموضعها في مستو من الأرض، يحيط بها جبل شامخ مسافة يومين.
ويزعم الصابئون أن حاران بنى تارح، وهو أخو إبراهيم عليه السلام، مر بها بعد نيف وخمسين سنة فقال: وإنك كعهدك يا عجوز.
وحران مدينة مسورة ومسجد جامعها داخل في مدينتها، ولها أربعة أبواب: باب الرقة جنوبي، والشرقي باب يزيد، والشمالي باب يزيد (?) ، والغربي باب الفرات (?) ، ولها في غربيها دويرات وفي شمالها خرب، وليس للمدينة في نفسها بساتين وماؤها من الآبار، ولها قرى متصلة بها، تضم كل قرية خلقاً كثيراً، ولها عمارات واسعة، وفي كل قرية مسجد جامع ومنار، ويزعم الصابئون أن ماني الثنوي من أهل حران وأنه كان أسقفاً بنجران، فوقع عزم من الجاثليق فقال: والله لأفسدن عليه شريعته، فقال باثنين وضارع قول المجوس، وجعل أناجيل وتسمى مسيحاً، فضارع قول النصارى وأفسد الشريعة، وقتله سابور أحد ملوك الفرس على الزندقة وصلبه على باب مدينة أرجان من مدن فارس. ويزعم الصابئون أيضاً أن ديصان الزنديق من أهل حران وأنه ولد زنا وجد منبوذاً على نهر يقال له ديصان فسمي به.
وفي مدينة حران مجمع الصابئين وقد درج أكثرهم وبقيت إلى اليوم منهم هناك بقية، وأخبر من رأى بقيتهم وذكر أنهم يستقبلون الكعبة في صلاتهم كما يستقبل المسلمون، وذكر أنهم من ولد صاب بن طاط بن خنوخ، كان من أهل الحكمة والفلسفة والعلم بالنجوم وهو أول من نزل بابل واتخذ بها هيكلاً، وكان فيه كاهن يسمى كرمن ومعناه بلسانهم العالم الكبير، ووضع لأهل العصر نواميس يعملون بها وأحكاماً ينتهون إليها، وكان قد أحكم في الصقع الذي كان نازلاً به من أرض بابل بناء بطالع قد ارتصده ووقت قد اختاره، وأثبت فيه من غوامض العلوم ما بقي أثره للصابئة، ونقش بلاطات الهيكل بضروب الصناعات وصور فيها جميع المهن وصور أهلها، وسن للصابئة أن متى أدرك لأحدهم ابن وصلح أن يتصرف، أتى به والداه إلى ذلك الهيكل وقربا عنه فيه قرباناً ومشى الغلام داخل الهيكل، فإذا كان عند الصباح وفرغ أهل الهيكل من ناموسهم قصد به السادن إلى تلك البلاطات المزبور فيها جميع المهن وأراه إياها، فما مالت إليه نفس الغلام من هذه الصناعات والمهن أمر أبويه أن يسلماه فيها فيحذق في تلك الصناعة.
وكان لهم في القرابين أشياء أحدثها لهم صاب من جملة ما