يقربونه في صلاتهم وتقديسهم من أمور وضعها لهم صاب وهي تهليل وتحميد وتسبيح، ولم يزالوا برهة من زمانهم جارين على ما وضع لهم من ذلك وعاملين بما نهج لهم إلى أن انبعث فيهم مركيون (?) فأحدث لهم أشياء وحد لهم حدوداً ومال بهم نحو الكواكب، فابتدع لهم ضروباً من الهياكل ونصب فيها أصناماً ووقت لهم في الصلوات أوقاتاً، وهيئة صلاتهم هو أن يدخل الهيكل وقد وضع يديه معاً على صدره ثم يستقبل القبلة عليه لباس من صوف القرابين، ثم يبسط يديه معاً مادهما وجامعاً بينهما، ثم يسجد برأسه قائماً ويزمزم، ثم يمشي القهقرى خطى يسيرة ويخرج.

وهم يجمعون في مواقيت صومهم ومناسكهم بين الشهور الشمسية والقمرية، ويسمون الشهر الهلالي بما يتفق أن يقع فيه من شهور السريانيين، فيقولون: هلال تشرين الأول، هلال تشرين الثاني، وكذلك في جميعها، ويكبسون في ثلاث سنين شهراً ويجعلونه نصف آذار ويسمونه هلال آذار الثاني فتصير شهور تلك السنة ثلاثة عشر شهراً من أجل الأحد عشر يوماً وربع التي بين الشمسية والقمرية.

ووصف بعض البلغاء حران فقال (?) : بلد لا حسن لديه ولا ظل متوسداً برديه، وقد اشتق من اسمه هواؤه، فلا يألف البرد ماؤه، ولا تجد فيه مقيلاً، ولا تتنفس فيه إلا نفساً ثقيلاً، قد نبذ بالعراء، ووضع في وسط الصحراء، يعدم رونق الحضارة، وتعرى أعطافه من ملابس النضارة.

ولأبينا إبراهيم عليه السلام بقبليها بنحو ثلاثة فراسخ مشهد مبارك، فيه (?) عين ماء جارية، كان مأوى له ولسارة ومتعبداً لهما.

وأهل هذه البلاد من الموصل لديار ربيعة وديار بكر إلى الشام محسنون للغرباء مكرمون للفقراء، وأهل قراها كذلك، ما يحتاجون الغرباء الصعاليك معهم زاداً. ولهذه البلدة أسواق حافلة عجيبة الترتيب مسقفة كلها بالخشب لا يزال أهلها في ظل بارد، ويتصل بأسواقها جامعها وهو في غاية الحسن، له صحن كبير فيه ثلاث قباب مرتفعة على سواري رخام تحت كل قبة بئر عذبة، وبهذه البلدة مارستان، وهي كبيرة وسورها حصين مبني بالحجارة وكذلك منار الجامع.

وفتح حران عياض بن غنم أخذها على مثل صلح الرها. وحران فيها من أهل كل بلد ومن أهل كل قبيلة من نزار وقحطان، وهي في مرج أفيح وبقعة حمراء.

الحرة (?) :

حرة مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تعرف بحرة واقم فيها كانت الوقيعة الشنيعة بأهل المدينة، وذلك أنه لما شمل الناس جور يزيد بن معاوية وعماله وعمهم ظلمهم، وما ظهر من فسقه من قتله ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنصاره وما أظهر من شرب الخمور وسار بها فرعونية، أخرج أهل المدينة عامله عليهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان لمروان بن الحكم وسائر بني أمية، وذلك عند تنسك ابن الزبير وإظهاره الدعاء لنفسه سنة ثلاث وستين، وكان إخراجهم لمن ذكرناه عن إذن ابن الزبير، واغتنمها مروان منهم إذ لم يقبضوا عليهم ويحملوهم إلى ابن الزبير، فحثوا السير نحو الشام، ونمي فعل أهل المدينة ببني أمية ومن معهم إلى يزيد فسير إليهم جيوش أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة المري الذي أخاف المدينة ونهبها وقتل أهلها، وبايعه أهلها على أنهم عبيد يزيد وسماها نتنة مناقضة لتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها طيبة وقال: " من أخاف المدينة أخافه الله "، فسمي مسلم هذا بمجرم ومسرف لما كان من فعله، وقال يزيد حين عرض هذا الجند:

أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى ... وأشرف القوم على وادي القرى ... أجمع سكران من القوم ترى ... يريد بهذا القول عبد الله بن الزبير وكان يكنى أبا بكر ويسمى يزيد السكران الخمير، وكتب لابن الزبير:

ادع إلاهك في السماء فإنني ... أدعو عليك رجال عك وأشعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015