بِآيَاتِنَا يوقنون وسؤالهم أَن يجعلهم أَئِمَّة لِلْمُتقين هُوَ سُؤال أَن يهْدِيهم ويوفقهم ويمن عَلَيْهِم بالعلوم النافعة والأعمال الصَّالِحَة ظَاهرا وَبَاطنا الَّتِي لَا تتمّ الْإِمَامَة إِلَى بهَا وَتَأمل كَيفَ نسبهم فِي هَذِه الْآيَات إِلَى اسْمه الرَّحْمَن جلا جَلَاله ليعلم خلقه أَن هَذَا إِنَّمَا نالوه بِفضل رَحمته ومحض جوده ومنته وَتَأمل كَيفَ جعل جزاءهم فِي هَذِه السُّورَة الغرف وَهِي الْمنَازل الْعَالِيَة فِي الْجنَّة لما كَانَت الْإِمَامَة فِي الدّين من الرتب الْعَالِيَة بل من أَعلَى مرتبَة يعطاها العَبْد فِي الدّين كَانَ جَزَاؤُهُ عَلَيْهَا الغرفة الْعَالِيَة فِي الْجنَّة
وَهَذَا بِخِلَاف طلب الرياسة فَإِن طلابها يسعون فِي تَحْصِيلهَا لينالوا بهَا أغراضهم من الْعُلُوّ فِي الأَرْض وَتعبد الْقُلُوب لَهُم وميلها إِلَيْهِم ومساعدتهم لَهُم على جَمِيع أغراضهم مَعَ كَونهم عالين عَلَيْهِم قاهرين لَهُم فترتب على هَذَا الْمطلب من الْمَفَاسِد مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله من الْبَغي والحسد والطغيان والحقد وَالظُّلم والفتنة وَالْحمية للنَّفس دون حق الله وتعظيم من حقره الله واحتقار من أكْرمه الله وَلَا تتمّ الرياسة الدُّنْيَوِيَّة إِلَّا بذلك وَلَا تنَال إِلَّا بِهِ وبأضعافه من الْمَفَاسِد والرؤساء فِي عمى عَن هَذَا فَإِذا كشف الغطاء تبين لَهُم فَسَاد مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَا سِيمَا إِذا حشروا فِي صور الذَّر يطؤهم أهل الْموقف بأرجلهم إهانة لَهُم وتحقيرا وتصغيرا كَمَا صغروا أَمر الله وحقروا عباده
وكل أحد مُحْتَاج بل مُضْطَر إِلَى الْفرق بَين هَذَا وَهَذَا فالحب فِي الله هُوَ من كَمَال الْإِيمَان وَالْحب مَعَ الله هُوَ عين الشّرك وَالْفرق بَينهمَا أَن الْمُحب فِي الْحبّ تَابع لمحبة الله فَإِذا تمكنت محبته من قلب العَبْد أوجبت تِلْكَ الْمحبَّة ان يحب مَا يُحِبهُ الله فَإِذا أحب مَا أحبه ربه ووليه كَانَ ذَلِك الْحبّ لَهُ وَفِيه كَمَا يحب رسله وأنبياءه وَمَلَائِكَته وأوليائه لكَونه تَعَالَى يُحِبهُمْ وَيبغض من يبغضهم لكَونه تَعَالَى ببغضهم وعلامة هَذَا الْحبّ والبغض فِي الله أَنه لَا يَنْقَلِب بغضه لبغيض الله حبا لإحسانه إِلَيْهِ وخدمته لَهُ وَقَضَاء حَوَائِجه وَلَا يَنْقَلِب حبه لحبيب الله بغضا إِذا وصل إِلَيْهِ من جِهَته من يكرههُ ويؤلمه إِمَّا خطأ وَإِمَّا عمدا مُطيعًا لله فِيهِ أَو متأولا أَو مُجْتَهدا أَو بَاغِيا نازعا تَائِبًا وَالدّين كُله يَدُور على أَربع قَوَاعِد حب وبغض وَيَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا فعل وَترك فَمن كَانَ حبه وبغضه وَفعله وَتَركه لله فقد اسْتكْمل الْإِيمَان بِحَيْثُ إِذا أحب أحب لله وَإِذا أبْغض أبْغض لله وَإِذا فعل فعل لله وَإِذا ترك ترك لله وَمَا نقص من أصنافه هَذِه الْأَرْبَعَة نقص من إيمَانه وَدينه بِحَسبِهِ وَهَذَا بِخِلَاف الْحبّ مَعَ الله فَهُوَ نَوْعَانِ يقْدَح فِي أصل التَّوْحِيد وَهُوَ شرك وَنَوع يقْدَح فِي كَمَال الْإِخْلَاص ومحبة الله وَلَا يخرج من الْإِسْلَام