والحسد خلق نفس ذميمة وضيعه سَاقِطَة لَيْسَ فِيهَا حرص على الْخَيْر فلعجزها ومهانتها تحسد من يكْسب الْخَيْر والمحامد ويفوز بهَا دونهَا وتتمنى أَن لوفاته كسبها حَتَّى يساويها فِي الْعَدَم كَمَا قَالَ تَعَالَى ودوا لَو تكفرون كَمَا كفرُوا فتكونون سَوَاء وَقَالَ تَعَالَى ود كثير من أهل الْكتاب لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا من عِنْد أنفسهم من بعد مَا تبين لَهُم الْحق فالحسود عَدو النِّعْمَة متمن زَوَالهَا عَن الْمَحْسُود كَمَا زَالَت عَنهُ هُوَ والمنافس مسابق النِّعْمَة متمن تَمامهَا عَلَيْهِ وعَلى من ينافسه فَهُوَ ينافس غَيره أَن يَعْلُو عَلَيْهِ وَيُحب لحاقه بِهِ أَو مجاوزته لَهُ فِي الْفضل والحسود يحب انحطاط غَيره حَتَّى يُسَاوِيه فِي النُّقْصَان وَأكْثر النُّفُوس الفاضلة الْخيرَة تنْتَفع بالمنافسة فَمن جعل نصب عَيْنَيْهِ شخصا من أهل الْفضل والسبق فنافسه انْتفع بِهِ كثيرا فَإِنَّهُ يتشبه بِهِ وَيطْلب اللحاق بِهِ والتقدم عَلَيْهِ وَهَذَا لَا نذمه وَقد يُطلق اسْم الْحَسَد على المنافسة المحمودة كَمَا فِي الصَّحِيح عَن النَّبِي لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم بِهِ أناء اللَّيْل وأطراف النَّهَار وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته فِي الْحق فَهَذَا حسد مُنَافَسَة وغبطة يدل على علو همة صَاحبه وَكبر نَفسه وطلبها للتشبه بِأَهْل الْفضل
تَعْظِيم أَمر الله والنصح لَهُ وتعظيم النَّفس وَالسَّعْي فِي حظها فَإِن الناصح لله الْمُعظم لَهُ الْمُحب لَهُ يحب أَن يطاع ربه فَلَا يعْصى وَأَن تكون كَلمته هِيَ الْعليا وَأَن يكون الدّين كُله لله وَأَن يكون الْعباد ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه فقد نَاصح الله فِي عبوديته وناصح خلقه فِي الدعْوَة إِلَى الله فَهُوَ يحب الْإِمَامَة فِي الدّين بل يسْأَل ربه أَن يَجعله لِلْمُتقين أما مَا يَقْتَدِي بِهِ المتقون كَمَا اقْتدى هُوَ بالمتقين فَإِذا أحب هَذَا العَبْد الدَّاعِي إِلَى الله أَن يكون فِي أَعينهم جَلِيلًا وَفِي قُلُوبهم مهيبا وإليهم حبيبا وَأَن يكون فيهم مُطَاعًا لكَي يأتموا بِهِ ويقتفوا أثر الرَّسُول على يَده لم يضرّهُ ذَلِك بل يحمد عَلَيْهِ لِأَنَّهُ دَاع إِلَى الله يحب أَن يطاع ويعبد ويوحد فَهُوَ يحب مَا يكون عونا على ذَلِك موصلا إِلَيْهِ وَلِهَذَا ذكر سُبْحَانَهُ عباده الَّذين اختصهم لنَفسِهِ وَأثْنى عَلَيْهِم فِي تَنْزِيله وَأحسن جزاءهم يَوْم لِقَائِه فَذكرهمْ بِأَحْسَن أَعْمَالهم وأوصافهم ثمَّ قَالَ وَالَّذين يَقُولُونَ رَبنَا هَب لنا من أَزوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا قُرَّة أعين واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا فَسَأَلُوهُ أَن يقر أَعينهم بِطَاعَة أَزوَاجهم وذرياتهم لَهُ سُبْحَانَهُ وَأَن يسر قُلُوبهم بِاتِّبَاع الْمُتَّقِينَ لَهُم على طَاعَته وعبوديته فَإِن الإِمَام والمؤتم متعاونان على الطَّاعَة فَإِنَّمَا سَأَلُوهُ وَمَا يعانون بِهِ الْمُتَّقِينَ على مرضاته وطاعته وَهُوَ دعوتهم إِلَى الله بِالْإِمَامَةِ فِي الدّين الَّتِي أساسها الصَّبْر وَالْيَقِين كَمَا قَالَ تَعَالَى وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا لما صَبَرُوا وَكَانُوا