الْمعرفَة بِاللَّه والإنابة إِلَيْهِ ومحبته وانبعاث الهمة إِلَى طلبه وإرادته وَنسبَة هَذِه الرّوح إِلَى الرّوح كنسبة الرّوح إِلَى الْبدن فَإِذا فقدتها الرّوح كَانَت بِمَنْزِلَة الْبدن إِذا فقد روحه وَهِي الرّوح الَّتِي يُؤَيّد بهَا أهل ولَايَته وطاعته وَلِهَذَا يَقُول النَّاس فلَان فِيهِ روح وَفُلَان مَا فِيهِ روح وَهُوَ بو وَهُوَ قَصَبَة فارغة وَنَحْو ذَلِك
فللعلم روح وللإحسان روح وللإخلاص روح وللمحبة والإنابة روح وللتوكل والصدق روح وَالنَّاس متفاوتون فِي هَذِه الْأَرْوَاح أعظم تفَاوت فَمنهمْ من تغلب عَلَيْهِ هَذِه الْأَرْوَاح فَيصير روحانيا وَمِنْهُم من يفقدها أَو أَكْثَرهَا فَيصير أرضيا بهيميا وَالله الْمُسْتَعَان
كَلَام كثير من النَّاس أَن لِابْنِ آدم ثَلَاث انفس نفس مطمئنة وَنَفس لوامة وَنَفس أَمارَة وَأَن مِنْهُم من تغلب عَلَيْهِ هَذِه وَمِنْهُم من تغلب عَلَيْهِ الْأُخْرَى ويحتجون على ذَلِك بقوله تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة وَلَا أقسم بِالنَّفسِ اللوامة} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِن النَّفس لأمارة بالسوء} وَالتَّحْقِيق أَنَّهَا نفس وَاحِدَة وَلَكِن لَهَا صِفَات فتسمى بإعتبار كل صفة بأسم فتسمى مطمئنة بإعتبار طمأنينتها إِلَى رَبهَا بعبوديته ومحبته والإنابة إِلَيْهِ والتوكل عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِهِ والسكون إِلَيْهِ فَإِن سمة محبته وخوفه ورجائه مِنْهَا قطع النّظر عَن محبَّة غَيره وخوفه ورجائه فيستغني بمحبته عَن حب مَا سواهُ وبذكره عَن ذكر مَا سواهُ وبالشوق إِلَيْهِ وَإِلَى لِقَائِه عَن الشوق إِلَى مَا سواهُ فالطمأنينة إِلَى الله سُبْحَانَهُ حَقِيقَة ترد مِنْهُ سُبْحَانَهُ على قلب عَبده تجمعه عَلَيْهِ وَترد قلبه الشارد إِلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ جَالس بَين يَدَيْهِ يسمع بِهِ ويبصر بِهِ ويتحرك بِهِ ويبطش بِهِ فتسرى تِلْكَ الطُّمَأْنِينَة فِي نَفسه وَقَلبه ومفاصله وَقواهُ الظَّاهِرَة والباطنة تجذب روحه إِلَى الله ويلين جلده وَقَلبه ومفاصله إِلَى خدمته والتقرب إِلَيْهِ وَلَا يُمكن حُصُول الطُّمَأْنِينَة الْحَقِيقِيَّة إِلَّا بِاللَّه ونذكره وَهُوَ كَلَامه الَّذِي أنزلهُ على رَسُوله كَمَا قَالَ تَعَالَى {الَّذين آمنُوا وتطمئن قُلُوبهم بِذكر الله أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب} فَإِن طمأنينة الْقلب سكونه واستقراره بِزَوَال القلق والانزعاج وَالِاضْطِرَاب عَنهُ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى بِشَيْء سوى الله تَعَالَى وَذكره الْبَتَّةَ وَأما مَا عداهُ فالطمأنينة إِلَيْهِ غرور والثقة بِهِ عجز قضى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَضَاء لَا مرد لَهُ أَن من اطْمَأَن إِلَى شَيْء سواهُ أَتَاهُ القلق