قَالَ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه ثمَّ اخْتلفُوا فِي معرفَة الرّوح وَالنَّفس فَقَالَ بَعضهم النَّفس طينية نارية وَالروح نورية روحانية
وَقَالَ بَعضهم الرّوح لاهوتية وَالنَّفس ناسوتية وَأَن الْخلق بهَا ابتلى
وَقَالَت طَائِفَة وهم أهل الْأَثر أَن الرّوح غير النَّفس وَالنَّفس غير الرّوح وقوام النَّفس بِالروحِ وَالنَّفس صُورَة العَبْد والهوى والشهوة وَالْبَلَاء معجون فِيهَا وَلَا عَدو أعدى لِابْنِ آدم من نَفسه فَالنَّفْس لَا تُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا وَلَا تحب إِلَّا إِيَّاهَا وَالروح تَدْعُو إِلَى الْآخِرَة وتؤثرها وَجعل الْهوى تبعا للنَّفس والشيطان تبع النَّفس والهوى وَالْملك مَعَ الْعقل وَالروح وَالله تَعَالَى يمدهما بالهامة وتوفيقه
وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح من أَمر الله أخْفى حَقِيقَتهَا وَعلمهَا على الْخلق
وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح نور من نور الله وحياة من حَيَاة الله
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الْأَرْوَاح هَل تَمُوت بِمَوْت الْأَبدَان والأنفس أَو لَا تَمُوت
فَقَالَت طَائِفَة الْأَرْوَاح لَا تَمُوت وَلَا تبلى
وَقَالَت الْجَمَاعَة الْأَرْوَاح على صور الْخلق لَهَا أيد وأرجل وأعين وَسمع وبصر ولسان
وَقَالَت طَائِفَة لِلْمُؤمنِ ثَلَاثَة أَرْوَاح وللمنافق وَالْكَافِر روح وَاحِدَة
وَقَالَ بَعضهم للأنبياء وَالصديقين خمس أَرْوَاح
وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح روحانية خلقت من الملكوت فَإِذا صفت رجعت إِلَى الملكوت
قلت أما الرّوح الَّتِي تتوفى وتقبض فَهِيَ روح وَاحِدَة وَهِي النَّفس
وَأما مَا يُؤَيّد الله بِهِ أولياءه من الرّوح فَهِيَ روح أُخْرَى غير هَذِه الرّوح كَمَا قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ كتب فِي قُلُوبهم الْإِيمَان وأيدهم بِروح مِنْهُ} وَكَذَلِكَ الرّوح الَّذِي أيد بهَا روحه الْمسْح ابْن مَرْيَم كَمَا قَالَ تَعَالَى إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اذكر نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك إِذْ أيدك بِروح الْقُدس وَكَذَلِكَ الرّوح الَّتِي يلقيها على من يَشَاء من عباده هِيَ غير الرّوح الَّتِي فِي الْبدن
وَأما القوى الَّتِي فِي الْبدن فَإِنَّهَا تسمى أَيْضا أرواحا فَيُقَال الرّوح الباصر وَالروح السَّامع وَالروح الشَّام فَهَذِهِ الْأَرْوَاح قوى مودعة فِي الْبدن تَمُوت بِمَوْت الْأَبدَان وَهِي غير الرّوح الَّتِي لَا تَمُوت بِمَوْت الْبدن وَلَا تبلى كَمَا يبْلى وَيُطلق الرّوح على أخص من هَذَا كُله وَهُوَ قُوَّة