وَحفظه إِلَى نفس أُخْرَى وَيلْزم التسلسل
جَوَابه أَنه يلْزم من افتقار الْبدن إِلَى نفس تحفظه افتقار النَّفس إِلَى نفس تحفظها وَهل ذَلِك إِلَّا بِمُجَرَّد دَعْوَة كَاذِبَة مستندة إِلَى قِيَاس قد تبين بُطْلَانه فَإِن كل جسما لَا يصير إِلَى نفس تحفظه كأجسام الْمَعَادِن وجسم الْهَوَاء وَالْمَاء وَالنَّار وَالتُّرَاب وأجسام سَائِر الجمادات
فَإِن قُلْتُمْ إِن هَذِه لَيست أَحيَاء ناطقة بِخِلَاف النَّفس فَإِنَّهَا حَيَّة ناطقة
قُلْنَا فَحِينَئِذٍ يبْقى الدَّلِيل هَكَذَا أَي كل جسم حَيّ نَاطِق يحْتَاج فِي حفظه وقيامه إِلَى نفس نقوم بِهِ وَهَذِه دَعْوَى مُجَرّدَة وَهِي كَاذِبَة فَإِن الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة أَحيَاء ناطقون وَلَيْسوا مفتقرين فِي قيامهم إِلَى أَرْوَاح أخر تقوم بهم
فَإِن قُلْتُمْ وكلامنا مَعكُمْ فِي الْجِنّ وَالْمَلَائِكَة فَإِنَّهُم لَيْسُوا بأجسام متحيزة
قُلْنَا الْكَلَام مَعَ من يُؤمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَأما من كفر بذلك فَالْكَلَام مَعَه فِي النَّفس ضائع وَقد كفر بفاطر النَّفس ومبدعها وَمَلَائِكَته وَمَا جَاءَت بِهِ رسله وَكَانَ تَارِكًا مَا دلّ عَلَيْهِ العيان مَعَ دَلِيل الْإِيمَان فَإِن الْآثَار المشهودة فِي الْعَالم من تأثيرات الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ بِإِذن رَبهم لَا يُمكن إنكارها وَهِي مَوْجُودَة بِنَفسِهَا وَلَا تقدر عَلَيْهَا القوى البشرية
كَانَ على سَبِيل المداخلة لزم تدَاخل الْأَجْسَام وَإِن كَانَ على سَبِيل الملاصقة والمجاورة كَانَ للْإنْسَان الْوَاحِد جسمان متلاصقان أَحدهمَا يرى وَالْآخر لَا يرى
جَوَابه من وُجُوه
أَحدهَا أَن تتداخل الْأَجْسَام الْمحَال أَن يتداخل جسمان كثيفان أَحدهمَا فِي الآخر بِحَيْثُ يكون حيزهما وَاحِدًا وَأما أَن يدْخل جسم لطيف فِي كثيف يسرى فِيهِ فَهَذَا لَيْسَ بمحال
الثَّانِي أَن هَذَا بَاطِل بصور كَثِيرَة مِنْهَا دُخُول المَاء فِي الْعود والسحاب وَدخُول النَّار فِي الْحَدِيد وَدخُول الْغذَاء فِي جَمِيع أَجزَاء الْبدن وَدخُول الْجِنّ فِي المصروع فالروح للطافتها لَا يمْتَنع عَلَيْهَا مشابكة الْبدن وَالدُّخُول فِي جَمِيع أَجْزَائِهِ