وَكَثُرت تجاربه وَهَذِه الْأَحْوَال تعينه على وُجُوه الْفِكر وَقُوَّة النّظر فَقَامَ النُّقْصَان الْحَاصِل بِسَبَب ضعف الْبدن والقوى
الْوَجْه السَّادِس أَن كَثْرَة الْأَفْعَال بِسَبَب حُصُول الملكات الراسخة فَصَارَت الزِّيَادَة الْحَاصِلَة بِهَذَا الطَّرِيق جَابِرا للنقصان الْحَاصِل بِسَبَب اختلال الْبدن
الْوَجْه السَّابِع أَنه قد ثَبت فِي الصَّحِيح عَنهُ أَنه قَالَ يهرم ابْن آدم وتشب فِيهِ خصلتان الْحِرْص وَطول الأمل وَالْوَاقِع شَاهد لهَذَا الحَدِيث مَعَ أَن الْحِرْص والأمل من القوى الجسمانية وَالصِّفَات الخيالية ثمَّ أَن ضعف الْبدن لم يُوجب ضعف هَاتين الصفتين فَعلم أَنه لَا يلْزم من اختلال الْبدن وَضَعفه ضعف الصِّفَات الْبَدَنِيَّة
الْوَجْه الثَّامِن أَنا نرى كثيرا من الشُّيُوخ يصيرون إِلَى الخزف وَضعف الْعقل بل هَذَا هُوَ الْأَغْلَب وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعْمل بعد علم شَيْئا فالشيخ فِي أرذل عمره يصير كالطفل أَو أَسْوَأ حَالا مِنْهُ وَأما من لم يحصل لَهُ ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يرد إِلَى أرذل الْعُمر
الْوَجْه التَّاسِع أَنه لَا تلازم بَين قُوَّة الْبدن وَقُوَّة النَّفس وَلَا بَين ضعفه وضعفها فقد يكون الرجل قوي الْبدن ضَعِيف النَّفس جَبَانًا خوارا وَقد يكون ضَعِيف الْبدن قوي النَّفس فَيكون شجاعا مقداما على ضعف بدنه
الْوَجْه الْعَاشِر أَنه لَو سلم لكم مَا ذكرْتُمْ لم يدل على كَون النَّفس جوهرا مُجَردا لَا داخلي الْعَالم وَلَا خَارجه وَلَا هِيَ فِي الْبدن وَلَا خَارِجَة عَنهُ لِأَنَّهَا إِذا كَانَت جسما صافيا مشرقا سماويا مُخَالفا للأجسام الأرضية لم تقبل الانحلال والذبول والتبدل كَمَا تقبله الْأَجْسَام المتحللة الأرضية فَلَا يلْزم من حُصُول الانحلال والذبول فِي هَذَا الْبدن حصولهما فِي جَوْهَر النَّفس
كَانَ غَنِيا عَن الْجِسْم فِي أَفعاله كَانَ غَنِيا عَنهُ فِي ذَاته إِلَى آخِره جَوَابه أَن يُقَال لَا يلْزم من ثُبُوت حكم فِي قُوَّة جسمانية ثُبُوت مثل ذَلِك الحكم فِي جَمِيع القوى الجسمانية وَلَيْسَ مَعكُمْ غير الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَة وَالْقِيَاس الْفَاسِد