الروح (صفحة 174)

عبارَة عَن جسم خَارج عَن هَذَا الْبدن فَهَذَا لم يقلهُ أحد وَأما الْقسم الأول وَهُوَ أَن الْإِنْسَان عبارَة عَن هَذَا الْبدن والهيكل الْمَخْصُوص فَهُوَ قَول جُمْهُور الْخلق وَهُوَ الْمُخْتَار عِنْد أَكثر الْمُتَكَلِّمين

قلت هُوَ قَول جُمْهُور الْخلق الَّذين عرف الرَّازِيّ أَقْوَالهم من أهل الْبدع وَغَيرهم من المضلين وَأما أَقْوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَأهل الحَدِيث فَلم يكن لَهُ بهَا شُعُور الْبَتَّةَ وَلَا أعتقد أَن لَهُم فِي ذَلِك قولا على عَادَته فِي حِكَايَة الْمذَاهب الْبَاطِلَة فِي الْمَسْأَلَة وَالْمذهب الْحق الَّذِي دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسّنة وأقوال الصَّحَابَة لم يعرفهُ وَلم يذكرهُ وَهَذَا الَّذِي نسبه إِلَى جُمْهُور الْخلق من أَن الْإِنْسَان هُوَ هَذَا الْبدن الْمَخْصُوص فَقَط وَلَيْسَ وَرَاءه شَيْء هُوَ من ابطل الْأَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة بل هُوَ أبطل من قَول ابْن سينا وَأَتْبَاعه بل الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعُقَلَاء أَن الْإِنْسَان هُوَ الْبدن وَالروح مَعًا وَقد يُطلق اسْمه على أَحدهمَا دون الآخر بِقَرِينَة

فَالنَّاس لَهُم أَرْبَعَة أَقْوَال فِي مُسَمّى الْإِنْسَان هَل هُوَ الرّوح فَقَط أَو الْبدن فَقَط أَو مجموعهما أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا وَهَذِه الْأَقْوَال الْأَرْبَعَة لَهُم فِي كَلَامه هَل هُوَ اللَّفْظ فَقَط أَو الْمَعْنى فَقَط أَو مجموعهما أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا فَالْخِلَاف بَينهم فِي النَّاطِق ونطقه

قَالَ الرَّازِيّ وَأما الْقسم الثَّانِي وَهُوَ أَن الْإِنْسَان عبارَة عَن جسم مَخْصُوص مَوْجُود فِي دَاخل هَذَا الْبدن فالقائلون بِهَذَا القَوْل اخْتلفُوا فِي تعْيين ذَلِك الْجِسْم على وُجُوه

الأول أَنه عبارَة عَن الأخلاط الْأَرْبَعَة الَّتِي مِنْهَا يتَوَلَّد هَذَا الْبدن

وَالثَّانِي انه الدَّم

وَالثَّالِث أَنه الرّوح اللَّطِيف الَّذِي يتَوَلَّد فِي الْجَانِب الْأَيْسَر من الْقلب وَينفذ فِي الشريانات إِلَى سَائِر الْأَعْضَاء

وَالرَّابِع أَنه الرّوح الَّذِي يصعد فِي الْقلب إِلَى الدِّمَاغ ويتكيف بالكيفية الصَّالِحَة لقبُول قُوَّة الْحِفْظ والفكرة وَالذكر

وَالْخَامِس أَنه جُزْء لَا يتَجَزَّأ فِي الْقلب

وَالسَّادِس أَنه جسم مُخَالف بالماهية لهَذَا الْجِسْم المحسوس وَهُوَ جسم نور أَنى علوي خَفِيف حَيّ متحرك ينفذ فِي جَوْهَر الْأَعْضَاء ويسري فِيهَا سريان المَاء فِي الْورْد وسريان الدّهن فِي الزَّيْتُون وَالنَّار فِي الفحم فَمَا دَامَت هَذِه الْأَعْضَاء صَالِحَة لقبُول الْآثَار الفائضة عَلَيْهَا من هَذَا الْجِسْم اللَّطِيف بَقِي ذَلِك الْجِسْم اللَّطِيف مشابكا لهَذِهِ الْأَعْضَاء وأفادها هَذِه الْآثَار من الْحس وَالْحَرَكَة الإرادية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015