لقالوا ذَلِك وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يُهْلِكهُمْ لمُخَالفَة رسله وتكذيبهم فَلَو أهلكهم بتقليد آبَائِهِم فِي شركهم من غير إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم بالرسل لأهلكهم بِمَا فعل المبطلون أَو أهلكهم مَعَ غفلتهم عَن معرفَة بطلَان مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَنه لم يكن ليهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا غافلون وَإِنَّمَا يُهْلِكهُمْ بعد الْأَعْذَار والإنذار
التَّاسِع أَنه سُبْحَانَهُ أشهد كل وَاحِد على نَفسه أَنه ربه وخالقه وَاحْتج عَلَيْهِم بِهَذَا الْإِشْهَاد فِي غير مَوضِع من كِتَابه كَقَوْلِه تَعَالَى وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليَقُولن الله فَأنى يؤفكون أَي فَكيف يصرفون عَن التَّوْحِيد بعد هَذَا الْإِقْرَار مِنْهُم أَن الله رَبهم وخالقهم وَهَذَا كثير فِي الْقُرْآن فَهَذِهِ هِيَ الْحجَّة الَّتِي أشهدهم على أنفسهم بمضمونها وذكرتهم بهَا رسله بقوله تَعَالَى أَفِي الله شكّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض فَالله تَعَالَى إِنَّمَا ذكرهم على أَلْسِنَة رسله بِهَذَا الْإِقْرَار والمعرفة وَلم يذكرهم قطّ بِإِقْرَار سَابق على إيجادهم وَلَا أَقَامَ بِهِ عَلَيْهِم حجَّة
الْعَاشِر أَنه جعل هَذَا آيه وَهِي الدّلَالَة الْوَاضِحَة الْبَيِّنَة المستلزمة لمدلولها بِحَيْثُ لَا يتَخَلَّف عَنْهَا الْمَدْلُول وَهَذَا شَأْن آيَات الرب تَعَالَى فَإِنَّهَا أَدِلَّة مُعينَة على مَطْلُوب معِين مستلزمة للْعلم بِهِ فَقَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ نفصل الْآيَات} أَي مثل هَذَا التَّفْصِيل والتبيين نفصل الْآيَات لَعَلَّهُم يرجعُونَ من الشّرك إِلَى التَّوْحِيد وَمن الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَهَذِه الْآيَات الَّتِي فصلها هِيَ الَّتِي بَينهَا فِي كِتَابه من أَنْوَاع مخلوقاته وَهِي آيَات أفقية وحسية آيَات فِي نُفُوسهم وذواتهم وخلقهم وآيات فِي الأقطار والنواحي مِمَّا يحدثه الرب تبَارك وَتَعَالَى مِمَّا يدل على وجوده ووحدانيته وَصدق رسله وعَلى الْمعَاد وَالْقِيَامَة وَمن أبينها مَا أشهد بِهِ كل وَاحِد على نَفسه من أَنه ربه وخالقه ومبدعه وَأَنه مربوب مَخْلُوق مَصْنُوع حَادث بعد أَن لم يكن ومحال أَن يكون حدث بِلَا مُحدث أَو يكون هُوَ الْمُحدث لنَفسِهِ فَلَا بُد لَهُ من موجد أَو جده لَيْسَ كمثله شَيْء وَهَذَا الْإِقْرَار والمشاهدة فطْرَة فطروا عَلَيْهَا لَيست بمكتسبة وَهَذِه الْآيَة وَهِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} مُطَابقَة لقَوْل النَّبِي كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة وَلقَوْله تَعَالَى {فأقم وَجهك للدّين حَنِيفا فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ منيبين إِلَيْهِ}
وَمن الْمُفَسّرين من لم يذكر إِلَّا هَذَا القَوْل فَقَط كالزمخشري وَمِنْهُم من يذكر إِلَّا القَوْل الأول فَقَط وَمِنْهُم من حكى الْقَوْلَيْنِ كَابْن الجوزى والواحدي والماوردى وَغَيرهم
قَالَ الْحسن بن يحيى الْجِرْجَانِيّ فَإِن اعْتِرَاض معترض فِي هَذَا الْفَصْل بِحَدِيث يرْوى عَن النَّبِي أَنه قَالَ أَن الله مسح ظهر آدم فَأخْرج مِنْهُ ذُريَّته وَأخذ عَلَيْهِم الْعَهْد ثمَّ ردهم فِي ظَهره وَقَالَ إِن هَذَا مَانع من جَوَاز التَّأْوِيل الَّذِي ذهبت إِلَيْهِ لِامْتِنَاع ردهم فِي الظّهْر