الروح (صفحة 163)

وَهَذَا الْمِيثَاق الذى لعن سُبْحَانَهُ من نقضه وعاقبه بقوله تَعَالَى {فبمَا نقضهم ميثاقهم لعناهم وَجَعَلنَا قُلُوبهم قاسية} فَإِنَّمَا عاقبهم بنقضهم الْمِيثَاق الذى أَخذه عَلَيْهِم على أَلْسِنَة رسله وَقد صرح بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذ أَخذنَا ميثاقكم ورفعنا فَوْقكُم الطّور خُذُوا مَا آتيناكم بِقُوَّة واذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} وَلما كَانَت هَذِه الآيه ونظيرها فِي سُورَة مَدَنِيَّة خَاطب بالتذكير بِهَذَا الْمِيثَاق فِيهَا أهل الْكتاب فَإِنَّهُ مِيثَاق أَخذه عَلَيْهِم بِالْإِيمَان بِهِ ويرسله وَلما كَانَت هَذِه آيَة الْأَعْرَاف فِي سُورَة مَكِّيَّة ذكر فِيهَا الْمِيثَاق وَالْإِشْهَاد الْعَام لجَمِيع الْمُكَلّفين مِمَّن أقرّ بربوبيته ووحدانيته وَبطلَان الشّرك وَهُوَ مِيثَاق وإشهاد تقوم بِهِ عَلَيْهِم الْحجَّة وَيَنْقَطِع بِهِ الْعذر وَتحل بِهِ الْعقُوبَة وَيسْتَحق بمخالفته الإهلاك فَلَا بُد أَن يَكُونُوا ذاكرين لَهُ عارفين بِهِ وَذَلِكَ مَا فطرهم عَلَيْهِ من الْإِقْرَار بربوبيته وَأَنه رَبهم وفاطرهم وانهم مخلوقين مربوبون ثمَّ أرسل إِلَيْهِم رسله يذكرونهم مِمَّا فِي فطرهم وعقولهم ويعرفونهم حَقه عَلَيْهِم وَأمره وَنَهْيه ووعده ووعيده

ونظم الْآيَة إِنَّمَا يدل على هَذَا من وُجُوه مُتعَدِّدَة

أَحدهَا أَنه قَالَ {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم} وَلم يقل آدم وَبَنُو آدم غير آدم

الثَّانِي أَنه قَالَ {من ظُهُورهمْ} وَلم يقل ظهر وَهَذَا يدل بعض من كل أَو بدل اشْتِمَال وَهُوَ أحسن

الثَّالِث أَنه قَالَ ذرياتهم وَلم يقل ذُريَّته

الرَّابِع أَنه قَالَا {وأشهدهم على أنفسهم} أَي جعلهم شَاهِدين على أنفسهم فَلَا بُد أَن يكون الشَّاهِد ذَاكِرًا لما شهد بِهِ إِنَّمَا يذكر شَهَادَته بعد خُرُوجه إِلَى هَذِه الدَّار لَا يذكر شَهَادَة قبلهَا

الْخَامِس أَنه سُبْحَانَهُ أخبر أَن حِكْمَة هَذَا الْإِشْهَاد إِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين وَالْحجّة إِنَّمَا قَامَت عَلَيْهِم بالرسل والفطرة الَّتِي فطروا عَلَيْهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى {رسلًا مبشرين ومنذرين لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل}

السَّادِس تذكيرهم بذلك لِئَلَّا يَقُولُوا يَوْم الْقِيَامَة {إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غافلين} وَمَعْلُوم أَنهم غافلون بِالْإِخْرَاجِ لَهُم من صلب آدم كلهم وإشهادهم جَمِيعًا ذَلِك الْوَقْت فَهَذَا لَا يذكرهُ أحد مِنْهُم

السَّابِع قَوْله تَعَالَى {أَو تَقولُوا إِنَّمَا أشرك آبَاؤُنَا من قبل وَكُنَّا ذُرِّيَّة من بعدهمْ} فَذكر حكمتين فِي هَذَا التَّعْرِيف وَالْإِشْهَاد إِحْدَاهمَا أَن لَا يدعوا الْغَفْلَة وَالثَّانيَِة أَن لَا يدعوا التَّقْلِيد فالغافل لَا شُعُور والمقلد مُتبع فِي تَقْلِيده لغيره

الثَّامِن قَوْله تَعَالَى {أفتهلكنا بِمَا فعل المبطلون} أَي لَو عذبهم بجحودهم وشركهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015