الرّسَالة العَامّة والرّسَالة الخاصّة
الرسالات السماوية السابقة أنزلت لأقوام بأعيانهم، والرسالة الخاتمة التي أنزلت على خاتم الأنبياء والرسل رسالة عامة للبشرية كلها بل عامة للإنس والجن، وهذا يقتضي أن تمتاز هذه الرسالة عن غيرها من الرسالات بما يجعلها صالحة لكل زمان ومكان، وقد جعلها الله كذلك، وأنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3] .
وقد بيّن سيد قطب - رحمه الله - هذا المعنى وجلاه في تفسيره لهذه الآية، قال: " إن المؤمن يقف أمام إكمال هذا الدين، يستعرض موكب الإيمان، وموكب الرسالات، وموكب الرسل، منذ فجر البشرية، ومنذ أوّل رسول - آدم عليه السلام - إلى هذه الرسالة الأخيرة، رسالة النبي الأمّي إلى البشر أجمعين.
فماذا يرى؟ يرى هذا الموكب المتطاول المتواصل موكب الهدى والنور، ويرى معالم الطريق على طول الطريق، ولكنه يجد كل رسول - قبل خاتم النبيين - إنما أرسل إلى قومه، ويرى كلّ رسالة، قبل الرسالة الأخيرة - إنما جاءَت لمرحلة من الزمان..، رسالة خاصة، لمجموعة خاصة، في بيئة خاصة..، ومن ثمّ كانت تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه، متكيفة بهذه الظروف، كلّها تدعو إلى إله واحد - فهذا هو التوحيد - وكلها تدعو إلى عبودية واحدة لهذا الإله الواحد - فهذا هو الإسلام - ولكن لكلٍّ منها شريعة للحياة الواقعية تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف.
حتى إذا أراد الله أن يختم رسالته إلى البشر أرسل إلى الناس كافة رسولاً خاتم