واختلفوا في المواريث، فقال زيد بن ثابت ومن ذهب مذهبه: يعطى كل وارث ما ُسمِّي له، فإن فَضَل فضل ولا عَصَبَة للميت ولا ولاءَ: كان ما بقي لجماعة المسلمين.

وعن غيره منهم: أنه كان يردُّ فضل المواريث على ذوي الأرحام، فلو أن رجلاً ترك أخته، ورثَتْه النصفَ ورُدَّ عليها النصفُ.

-[587]- فقال بعض الناس: لمَ لم تردَّ فضل المواريث؟

قلت: استدلالاً بكتاب الله.

قال: وأين يدل كتاب الله على ما قلت؟

قلت: قال الله: {إنِ امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ وله أختٌ فلها نصفُ ما ترك، وهو يرِثها إن لم يكن لها ولدٌ} [النساء 176]

وقال: {وإن كانوا أخوةً رجالاً ونساءً، فللذَّكر مثلُ حظِّ الأنثيين} [النساء 176]

فذكر الأخت منفردةً، فانتهى بها جل ثناؤه إلى النصف، والأخَ منفرداً، فانتهى به إلى الكلِّ وذكر الأخوة والأخوات، فجعل للأخت نصفَ ما للأخ.

وكان حكمه - جل ثناؤه - في الأخت منفردةً ومع الأخ سواءً، بأنها لا تساوي الأخَ، وأنها تأخذ النصف مما يكون له من الميراث.

فلو قلتَ في رجل مات، وترك أخته: لها النصفُ -[588]- بالميراث وأردُدُ عليها النصف: كنتَ قد أعطيتها الكل منفردة، وإنما جعل الله لها النصف في الانفراد والاجتماع.

فقال: فإني لست أعطيها النصف الباقي ميراثاً، إنما أعطيها إياه رداً.

قلت: وما معنى "رداً" أشيء استحسنته، وكان إليك أن تضعه حيث شئتَ؟ فإن شئتَ أن تعطيه جيرانه أو بعيدَ النسب منه، أيكون ذلك لك؟!

قال: ليس ذلك للحاكم، ولكن جعلتُهُ رداً عليها بالرَّحِم.

ميراثاً؟

قال: فإن قلتُه؟

قلت: إذن تكون ورَّثتها غيرَ ما ورَّثها الله.

-[589]- قال: فأقول: لك ذلك، لقول الله: {وأُولوا الأرحام بعضُهم أولى ببعض في كتاب الله} [الأنفال 75]

فقلت له: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} نزلت بأن الناس توارثوا بالحِلف، ثم توارثوا بالإسلام والهجرة، فكان المهاجر يرث المهاجر، ولا يرثه من ورثته مَن لم يكن مهاجراً، وهو أقرب إليه ممن وَرِثه، فنزلت {وأولوا الأرحام} الآية على ما فُرِضَ لهم.

قال: فاذكر الدليل على ذلك؟

قلت: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى -[590]- ببعض في كتاب الله} : على ما فُرِضَ لهم، ألا ترى أن من ذوي الأرحام من يرث، ومنهم من لا يرث، وأن الزوج يكون أكثرَ ميراثا من أكثر ذوي الأرحام ميراثاً؟ وأنك لو كنت إنما تُوَرِّث بالرحم كانت رحم البنت من الأب كرحم الابن؟ وكان ذوو الأرحام يرثون معاً، ويكونون أحقَّ من الزوج الذي لا رحم له؟!

ولو كانت الآية كما وصفتَ كنتَ قد خالفتها فيما ذكرنا، في أن يترك أخته ومَوَاليَه فتُعطيَ أخته النصف، ومواليه النصف، وليسوا بذَوِي أرحام، ولا مفروضًٍ لهم في كتاب الله فرضٌ منصوص.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015