قال: فقد حكمتَ بالكتاب والسنة، فكيف حكمتَ بالإجماع، ثم حكمتَ بالقياس، فأقمتها مع كتابٍ أو سنة؟
فقلت: إني وإن حكمتُ بها كما احكم بالكتاب والسنة: فأصلُ ما أحكم به منها مفترقٌ.
قال: أفيجوز أن تكون أصولٌ مفرَّقة الأسباب -[599]- ُيحكم فيها حكماً واحداً؟
قلت: نعم، ُيحكم بالكتاب والسنة المجتمع عليها، الذي لا اختلاف فيها، فنقول لهذا: حكمنا بالحق في الظاهر والباطن.
وُيحكم بالسنة قد ُرويت من طريق الانفراد، لا يجتمع الناس عليها، فنقول حكمنا بالحق في الظاهر، لأنه قد يمكن الغلط فيمن روى الحديث.
ونحكم بالإجماع ثم القياسِ، وهو أضعف من هذا، ولكنها منزلةُ ضرورة، لأنه لا يحل القياسُ والخبرُ موجودٌ، كما -[600]- يكون التيمم طهارةً في السفر عند الإعواز من الماء، ولا يكون طهارةً إذا وُجد الماء، إنما يكون طهارةً في الإعواز.
وكذلك يكون ما بعد السنة حجةً إذا أَعوَزَ من السنة.
وقد وصفتُ الحجة في القياس، وغيره قبل هذا.
قال: أفتجد شيئا شبهه.
قلت: نعم، أقضي على الرجل بعلمي أنَّ ما ادُّعي عليه كما ادُّعي، أو إقرارِه، فإن لم أعلم ولم يُقِرَّ قضيتُ عليه بشاهدين، وقد يغلِطان ويهِمَان، وعلمي وإقرارُه أقوى عليه من شاهدين، وأقضي عليه بشاهد ويمين، وهو أضعف من شاهدين، ثم أقضي عليه بنكوله عن اليمين ويمينِ صاحبه، وهو أضعف من شاهد ويمين، لأنه قد ينكُل خوفَ الشهرة واستصغارَ ما يحلف عليه، ويكون الحالف لنفسه غيرَ ثقة وحريصاً فاجراً.
آخر كتاب الرسالة والحمد لله وصلى الله على محمد.