قال: فأي القولين ذهبتَ؟

قلت: ذهبت إلى أن المُولي لا يلزمه طلاقٌ، وأن امرأته إذا طلبت حقها منه لم أَعرِض له حتى تمضي أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر قلت له: فِئ أو طلِّقْ، والفيئةُ الجماعُ.

قال: فكيف اخترتَه على القول الذي يخالفه؟

قلت: رأيته أشبه بمعنى كتاب الله وبالمعقول.

قال: وما دل عليه من كتاب الله؟

-[579]- قلت: لما قال الله: {للذين يُؤلون من نسائهم تَرَبُّصُ أربعةَ اشهر} : كان الظاهر في الآية أن من أنظَرَه الله أربعة أشهر في شيء، لم يكن له عليه سبيل حتى تمضي أربعةُ أشهر.

قال: فقد يحتمل أن يكون الله عز وجل جعل له أربعة أشهر يفيءُ فيها، كما تقول: قد أجَّلتك في بناء هذه الدار أربعة اشهر تفرُغُ فيها منها؟

قال: فقلت له: هذا لا يتوهمه مَن خوطب به حتى يُشترط في سياق الكلام، ولو قال قد أجلتك فيها أربعة أشهر: كان إنما أجله أربعة أشهر لا يجد عليه سبيلاً حتى تنقضي ولم يفرُغ منها، فلا يُنسب إليه أن لم يفرغ من الدار، وأنه أخلف في الفراغ منها ما بقي من الأربعة الأشهر شيء، فإذا لم يبقَ منها شيء لَزِمَه اسم الخُلْف، وقد يكون في بناء الدار دلالةٌ على أن يقارِبَ -[580]- الأربعةَ، وقد بقي منها ما يحيط العلم أنه لا يبنيه فيما بقي من الأربعة.

وليس في الفيئة دلالةٌ على أن لا يفيء الأربعة إلا مُضِيُّها لأن الجماع يكون في طَرفة عين، فلو كان على ما وصفتَ تَزَايَلَ حاله حتى تمضي أربعة أشهر، ثم تَزَايل حاله الأولى، فإذا زايلها صار إلى أن الله عليه حقاً، فإما أن يفيء وإما أن يطلِّق.

فلو لم يكن في آخر الآية ما يدل على معناها غيرُ ما ذهبتَ إليه، كان قوله أَولاهما بها، لما وصفنا، لأنه ظاهرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015