فقال: هذا مذهب، فكيف اخترتَ غيره، والآية محتملة للمعنيين عندك؟
-[565]- قال: فقلت له: إن الوقت برؤية الأهِلَّة إنما هو علامة جعلها الله للشهور، والهلالُ غير الليل والنهار، وإنما هو جِماع لثلاثين، وتسعٍ وعشرين، كما يكون الهلال الثلاثون والعشرون جماعاً يُستأنف بعده العدد، وليس له معنى هنا، وأن القُرْء وإن كان وقتاً فهو من عدد الليل والنهار، والحيضُ والطهر -[566]- في الليل والنهار من العدة، وكذلك شُبِّه الوقت بالحدود، وقد تكون داخلة فيما حُدَّت به، وخارجةً منه غيرَ بائن منها، فهو وقت معنى.
قال: وما المعنى؟
قلت: الحيض هو أن يُرخِيَ الرَّحمُ الدمَ حتى يظهر، والطُّهر أن يَقْري الرَّحِمُ الدمَ فلا يظهرُ، ويكون الطهر والقَرْي -[567]- الحبس لا الإرسال، فالطهر - إذ كان يكون وقتاً - أولى في اللسان بمعنى القُرء، لأنه حبْس الدم.
وأمر رسول الله عمرَ حين طلَّق عبدُ الله بن عمر امرأته حائضاً أن يأمره برَجعتها وحَبسِها حتى تطهر، ثم يطلِّقُها طاهراً من غير جماع، وقال رسول الله: " فتلك العِدَّةُ التي أمر الله أن يُطلَّق لها النساءُ" (?) .
يعني قول الله - والله أعلم - إذا طلَّقتُمُ النساءَ فطلِّقوهنَّ لِعِدَِّتهِنَّ} [الطلاق 1] ، فأخبر رسول الله أن العدةَ الطهرُ دون الحيض.
وقال الله: {ثلاثة قروء} وكان على المُطَلَّقة أن تأتي بثلاثة قروء، فكان الثالثُ لو أبطأ عن وقته زماناً لم َتحِلَّ حتى يكون، أو تُويَسَ من المحيض، أو ُيخافَ ذلك عليها، فتَعْتَدَّ بالشهور، لم يكن للغُسل معنى، لأن الغسل رابعٌ غيرُ ثلاثة، ويلزم مَن قال: " الغسل عليها " أن يقول: لو أقامت سنةً وأكثر لا تغتسل لم تحِلَّ!!
-[569]- فكان قول من قال" الأقراء الأطهار " أشبهَ بمعنى كتاب الله، واللسانُ واضح على هذه المعاني، والله أعلم.
-[571]- فأما أمر النبي أن يُستبرأ السَّبْي بحيضة فبالظاهر، لأن الطهر إذا كان متقدِّماً للحيضة ثم حاضت الأمة حيضة كاملة صحيحة بَرِئَت من الحَبَلِ في الطهر، وقد ترى الدمَ فلا يكون صحيحاً، إنما يصح حيضةً بأن تُكمل الحيضة فبأي شيء من الطهر كان قبل حيضة كاملة فهو براءة من الحَبَل في الظاهر.