قال "الشافعي: "في ذكر قول النبي صلى الله عليه: " ألَّا أخبرتيها أني أفعل ذلك" دلالةٌ على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله؛ لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجةُ لمن أخبرتْه.

وهكذا خبرُ امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده.

أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: "بينما الناس بقُباءٍَ في صلاة الصبح إذ أتاهم آت، فقال: إن رسول الله قد أُنزل عليه قُرَآن وقد أُمر أن يستقبل القبلة فاستقبَِلوها وكانت وجوههم إلى الشأْم فاستداروا إلى الكعبة"

وأهلُ قباءٍَ أهلُ سابقة من الأنصار وفقه، وقد كانوا على قبلةٍ فرض الله عليهم استقبالها.

-[407]- ولم يكن لهم أن يَدَعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة، ولم يلقوا رسول الله، ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة، فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعاً من رسول الله ولا بخبر عامّةٍ، وانتقلوا بخبر واحد، إذا كان عندهم من أهل الصدق: عن فرضٍ كان عليهم، فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي أنه أَحدث عليهم من تحويل القبلة.

ولم يكونوا ليفعلوه - إن شاء الله - بخبر إلا عن علم بأن الحجة تثبُت بمثله، إذا كان من أهل الصدق.

-[408]- ولا ليُحدثوا أيضاً مثل هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثَه.

ولا يدعون أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه.

ولو كان ما قَبلوا من خبر الواحد عن رسول الله في تحويل القبلة، وهو فرض: مما يجوز لهم، لقال لهم - إن شاء الله - رسول الله: قد كنتم على قبلةٍ، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة من سماعكم مني، أو خبرِ عامةٍ أو أكثرَ من خبر واحد عني.

أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة -[409]- عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة بن الجرَّاح وأُبيَّ بن كعب شراباً من فضيخٍ (?) وتمرٍ، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حُرِّمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجِرار فاكسرها، فقمت إلى مِهْراسٍ (?) لنا، فضربتُها بأسفلِه حتى تكسَّرت". (?)

وهؤلاء في العلم والمكان من النبي وتَقَدُّمِ صحبته بالموضع الذي لا يُنكِره عالم.

وقد كان الشراب عندهم حلالاً يشربونه، فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر، فأمر أبو طلحة - وهو مالك -[410]- الجرار - بكسر الجرار، ولم يقل هو، ولاهم، ولا واحد منهم: نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه منا أو يأتينا خبر عامَّة.

وذلك أنهم لا يُهرِيقون حلالاً، إهراقُه سَرَفٌ، وليسوا من أهله.

والحال في أنهم لا يدَعون إخبار رسول الله ما فعلوا، ولا يَدَع - لو كان قبِلوا من خبر الواحد ليس لهم -: أن ينهاهم عن قبوله.

وأمر رسول الله أنيساً أن يغدو على امرأة رجل ذكر أنها زَنَت، فإن اعترفت فارجمها، فاعترفت فرجمها.

وأخبرنا بذلك مالك وسفيان عن الزهري -[411]- عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد وساقا عن النبي. وزاد سفيان مع أبي هريرة وزيد بن خالد: شِبْلاً. (?)

أخبرنا عبد العزيز عن ابن الهاد عن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن سليم الزُّرَقي عن أمه قالت: "بينما -[412]- نحن بمنى إذا علي بن أبي طالب على جملٍ يقول: إن رسول الله يقول: إن هذه أيامُ طعام وشراب، فلا يصومنَّ أحد، فاتبع الناسَ وهو على جمله يصرخ فيهم بذلك.

ورسول الله لا يبعث بنهيه واحداً صادقاً إلا لزم خبرُه عن النبي، بصدقه عن المنهيين عن ما أخبرهم أن النبي نهى عنه.

ومع رسول الله الحاجُّ، وقد كان قادراً على أن يبعث إليهم فيشافهَهُم، أو يبعث إليهم عدداً، فبعث واحداً يعرفونه بالصدق.

وهو لا يبعث بأمره إلا والحجة للمبعوث إليهم وعليهم قائمةٌ بقبول خبره عن رسول الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015