قال "الشافعي: "فإن قال قائل: اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنصِّ خبر أو دلالةٍ فيه أو إجماعٍ.
فقلت له أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي قال: "نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ غيرِ فقيه ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاثٌ لا يَُغِلُّ -[402]- (?) عليهن قلبُ مسلم: إخلاصُ العمل لله، والنصيحةُ للمسلمين، ولزوم، جماعتهم، فإنّ دعوتهم تحيط من روائهم". (?)
فلما نَدَب رسول الله إلى استماع مقالته وحفظِها وأدائها امرأً يؤديها، والامْرُءُ واحدٌ: دلَّ على أنه لا يأمر -[403]- أن يُؤدَّى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يُؤدَّى عنه حلال وحرام يُجتَنَب، وحدٌّ يُقام، ومالٌ يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دينٍ ودنيا.
ودل على أنه قد َححمل الفقهَ غيرُ فقيه، يكون له حافظاً، ولا يكون فيه فقيهاً.
وأمْرُ رسول الله بلزوم جماعة المسلمين مما يُحتج به في أن إجماع المسلمين - إن شاء الله - لازمٌ.
أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يخبر عن أبيه قال: قال النبي: "لا أُلفِيَنَّ أحدكم متّكئاً على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، مما نهيت عنه -[404]- أو أمرت به، فيقول: لا ندري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" (?)
قال ابن عيينة: وأخبرني محمد بن المنكدر عن النبي بمثله مرسلاً.
وفي هذا تثبيتُ الخبر عن رسول الله وإعلامُهم أنه لازم لهم، وإن لم يجدوا له نصَّ حكمٍ في كتاب الله، وهو موضوع في غير هذا الموضع.
أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: أن رجلاً قبَّل امرأته وهو صائم، فَوَجَد من ذلك وجْداً شديداً، فأرسل امرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة أمِّ المؤمنين، فأخبرتها، فقالت أم سلمة: إن رسول الله يقبِّل وهو صائم. فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرته، فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثلَ رسول الله، يُحِل الله لرسوله ما شاء. فرجعت المرأة إلى -[405]- أم سلمة فوجدت رسول الله عندها، فقال رسول الله: ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة، فقال: ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت أم سلمة: قد أخبرتها فذهبت إلى زوجها فأخبرتْه فزاده ذلك شراً، وقال: لسنامثل رسول الله، يُحل الله لرسوله ما شاء. فغضب رسول الله ثم قال:
والله إني لأتقاكم لله، ولأعلمكم بحدوده"
وقد سمعت من يصل هذا الحديث، ولا يحضرني ذِكر مَن وصله. (?)