فقال: فما بالُك قبِلْتَ ممن لم تعرفه بالتَّدْليسِ أن يقول: (عن) ، وقد يُمْكِنُ فيه أنْ يكونَ لمْ يسْمَعْه؟
فقلت له: المسلمون العُدول عُدولٌ أصِحَّاءُ الأمْر في أنفسهم، وحالُهُم في أنفسهم غيرُ حالهم في غيرهم، ألا ترى أنِّي إذا عرَفتهم بالعدل في أنفسهم قَبِلْتُ شَهادَتهم، وإذا شَهِدوا على شهادة غيرِهم لمْ أقْبلْ شهادَة غيرِهم حتى أعرف حاله؟! ولم تكن معرفتي عدْلَهم معرفتي عدلَ من شَهِدوا على شهادَتِه.
وقولُهم عن خبر أنفسهم وتسميتُهم: على الصِّحة، حتى نسْتَدِلَّ مِنْ فِعلهم بما يخالف ذلك، فَنَحْتَرِسَ منهم في الموضع الذي خالَف فِعْلُهم فيه ما يجب عليهم.
ولم نَعْرِفْ بالتدليس بِبَلدنا، فيمن مضى ولا مَنْ -[379]- أدْرَكْنا مِن أصحابنا، إلاَّ حديثاً فإن منهم من قبله عن من لو تركه عليه كان خيراً له.
وكان قول الرجل: (سمعتُ فلاناً يقول سمعت فلاناً) وقولُه: (حدّثَني فلانٌ عنْ فُلان) : سَواءً عنْدهم، لا يحدِّثُ واحد منهم عن من لَقِيَ إلاَّ ما سَمِع منه ممن عَنَاه بهذه الطريق، قَبِلْنا منه: (حدثني فلان عن فلان) .
ومَن عرَفْناه دلَّس مَرَّةً فقَدْ أبَان لَنَا عوْرَته في رِوايتِه.
وليستْ تلك العورةُ بالكذب فنَرُدَّ بها حديثَه، ولا النَّصيحَةِ في الصِّدق، فنقْبَلَ مِنه ما قَبِلْنا مِن أهل النصيحة في الصدق.
-[380]- فقلْنا: لا نقبل مِن مُدَلِّسٍ حديثاً حتى يقولَ فيه: (حدثني) أو (سمعْتُ) .