قال "الشافعي": قال لِي قائِلٌ: فَإنَّا نَجِدُ مِن الأحاديثِ عَن رسولِ الله أحاديثَ في القُرَآن مِثْلُها نَصًّا، وأخْرَى في القُرَآن مثلُها -[211]- جُمْلةً، وفي الأحاديث منها أكثرَ مِمَّا في القُرَآن، وأخرى ليس منها شيء في القُرَآن، وأخرى مُوتَفِقَةٌ، وأخرى مُخْتلفةٌ: ناسِخة ومَنْسوخَة، وأخرى مختلفة: ليس فيها دِلالةٌ على ناسخٍ ولا منسوخ، وأخرى فيها نَهْيٌ لِرسول الله، فتقولون: ما نَهَى عنْه حَرَامٌ، وأخرى لرسول الله فيها نهْيٌ، فتقولون: نَهْيُه وأمره على الاختيار لا على التَّحْريمِ، ثم نَجِدُكم تذهبون إلى بعْض المُخْتَلِفة مِن -[212]- الأحاديث دون بعْضٍ، ونجدكم تَقِيسُون على بعْضِ حَديثه، ثم يَخْتَلِف قِياسُكم عليها، وتَتْرُكون بعْضاً فلا تَقِيسون عليه، فَمَا حُجَّتُكُمْ في القياس وتَرْكِه؟ ثم تفْتَرِقون بعدُ: فمِنكُمْ مَنْ يَتْرُك مِن حديثه الشيءَ ويَأْخُذ بمثل الذي تَرَكَ وأَضْعَفَ إسْنادًا مِنه.
قال "الشافعي": فقلتُ له: كلُّ ما سَنَّ رسولُ الله مَعَ كِتاب الله مِن سنةٍ فهي مُوَافِقة كتابَ الله في النصِّ بِمِثْلِهِ، وفي الجُمْلة بالتَّبْيِينِ عَن الله، والتبيينُ يكون أكثرَ تَفْسِيراً مِن الجُمْلة.
وما سَنَّ مِمَّا ليس فيه نصُّ كتابِ الله فبِفرض الله طاعتَه عامَّةً في أمْرِه تَبِعْنَاه.
وأما الناسِخةُ والمنسوخة مِنْ حديثه فهي كما نَسَخَ اللهُ الحُكْمَ في كِتابه بالحكم غيْرِه من كتابه عامةً في أمْرِه، وكذلك سنةُ رسولِ الله تُنْسَخُ بِسنتِه.
-[213]- وذَكَرْتُ له بعضَ ما كتبْتُ في كِتابي قَبْلَ هذا مِن إيضَاح ما وَصَفْتُ.