ولقاء شيوخ بظاهر سلام فيشاهدون الظواهر ويكتفون بِمَا فِي هَذَا الباب من السير فهؤلاء الواجب لَهُمْ دوام السفر حَتَّى لا تؤديهم الدعة إِلَى ارتكاب محظور فَإِن الشاب إِذَا وجد الراحة والدعة كَانَ فِي معرض الْفِتْنَة وإذا توسط المريد جمع الفقراء والأَصْحَاب فِي بدايته فَهُوَ مضر لَهُ جدا وإن امتحن واحد بِذَلِكَ فليكن سبيله احترام الشيوخ والخدمة للأَصْحَاب وترك الخلاف عَلَيْهِم والقيام بِمَا فِيهِ راحة فَقِير والجهد أَن لا يستوحش منه قلب شيخ ويجب أَن يَكُون فِي صحبته مَعَ الفقراء أبدا خصمهم عَلَى نَفْسه ولا يَكُون خصم نَفْسه عَلَيْهِم ويرى لكل واحد مِنْهُم عَلَيْهِ حقا واجبا، ولا يرى لنفسه واجبا عَلَى أحد، ويجب أَن لا يخالف المريد أحدا وإن علم أَن الحق مَعَهُ يسكت ويظهر الوفاق لكل أحد، وكل مريد يَكُون فِيهِ ضحك ولجاج ومماراة فَإِنَّهُ لا يجيء منه شَيْء، وإذا كَانَ المريد فِي جمع من الفقراء إِمَّا فِي سفر أَوْ حضر فينبغي أَن لا يخالفهم فِي الظاهر فِي أكل ولا صوم ولا سكون ولا حركة بَل يخالفهم بسره وقلبه فيحفظ قلبه مَعَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وإذا أشار عَلَيْهِ بالأكل مثلا يأكل لقمة أَوْ لقمتين ولا يعطى النفس شهوتها وليس من آداب المريدين كثرة الأوراد بالظاهر فَإِن الْقَوْم فِي مكابدة إخلاء خواطرهم ومعالجة أخلاقهم ونفي الغفلة عَن قلوبهم لا فِي تكثير أعمال البر الَّذِي لا بد لَهُمْ منه إقامة الفرائض والسنن الراتبة فأما الزيادات من الصلوات النافلة فاستدامة الذكر بالقلب أتم لَهُمْ ورأس مال المريد الاحتمال عَن كُل أحد بطيبة النفس وتلقى مَا يستقبله بالرضا والصبر عَلَى الضر والفقر وترك السؤال والمعارضة فِي القليل والكثير فيما هُوَ حظ لَهُ ومن لَمْ يصبر عَلَى ذَلِكَ فليدخل السوق فَإِن من اشتهى مَا يشتهيه النَّاس فالواجب أَن يحصل شهوته من حيث يحصلها النَّاس
من كد اليمين وعرق الجبين، وإذا التزم المريد استدامة الذكر وآثر الخلوة فَإِن وجد فِي خلوته مَا لا يجده قبله إِمَّا فِي النوم