وَهَذَا من الامتحانات الَّتِي تستقبل المريدين فالواجب عَلَى شيخه إِن رأى فِيهِ كياسة أَن يحيله عَلَى الحجج العقلية فَإِن بالعلم يتخلص لا محالة المتعرف مَا يعتريه من الوساوس وإن تفرس شيخه فِيهِ القوة والثبات فِي الطريقة أمره بالصبر واستدامة الذكر حَتَّى تسطع فِي قلبه أنوار القبول وتطلع فِي سره شموس الوصول وعن قريب يَكُون ذَلِكَ ولكن لا يَكُون هَذَا إلا لأفراد المريدين فأما الغالب فأن تكون معالجتهم بالرد إِلَى النظر وتأمل الآيات بشرط تحصيل علم الأصول عَلَى قدر الحاجة الداعية للمريد.
واعلم أَنَّهُ يَكُون للمريدين عَلَى الخصوص بلايا من هَذَا الباب وَذَلِكَ أنهم إِذَا خلوا فِي مواضع ذكرهم أَوْ كَانُوا فِي مجالس سماع أَوْ غَيْر ذَلِكَ يهجس فِي نفوسهم ويخطر ببالهم أشياء منكرة يتحققون أَن اللَّه سبحانه منزه عَن ذَلِكَ وليس تعتريهم شبهة فِي أَن ذَلِكَ باطل ولكن يدوم ذَلِكَ فيشتد تأذيهم بِهِ حَتَّى يبلغ ذَلِكَ حدا يَكُون أصعب شتم وأقبح قَوْل وأشنع خاطر بحيث لا يمكن المريد إجراء ذَلِكَ عَلَى اللسان وإبداؤه لأحد وَهَذَا أشد شَيْء يقع لَهُمْ، فالواجب عِنْدَ هَذَا ترك مبالاتهم بتلك الخواطر واستدامة الذكر والابتهال إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ باستدفاع ذَلِكَ وتلك الخواطر ليست من وساوس الشَّيْطَان وإنما هِيَ من هواجس النفس فَإِذَا قابلها العبد بترك المبالاة بِهَا ينقطع ذَلِكَ عَنْهُ ومن آداب المريد بَل من فرائض حاله أَن يلازم موضع إرادته وأن لا يسافر قبل أَن تقبله الطريق وقبل الوصول بالقلب إِلَى الرب فَإِن السفر للمريد فِي غَيْر وقته سم قاتل ولا يصل أحد مِنْهُم إِلَى مَا كَانَ يرجى لَهُ إِذَا سافر فِي غَيْر وقته وإذا أراد اللَّه بمريد خيرا ثبته فِي أول إرادته وإذا أراد اللَّه بمريد شرا رده إِلَى مَا خرج عَنْهُ من حرفته أَوْ حالته وإذا أراد اللَّه بمريد محنة شرده فِي مطارح غربته هَذَا إِذَا كَانَ المريد يصلح للوصول.
فأما إِذَا كَانَ شابا طريقته الخدمة فِي الظاهر بالنفس للفقراء وَهُمْ دونهم فِي هذه الطريقة رتبة فَهُوَ وأمثاله يكتفون بالترسم فِي الظاهر فينقطعون فِي الأسفار وغاية نصيبهم من هذه الطريقة حاجات يحصلونها وزيارات لمواضع يرتحل إِلَيْهَا