فسأله الجنيد عَنِ التوحيد فأجابه فتحير عَبْد اللَّهِ.

وَقَالَ: أعد عَلِي مَا قُلْت، فأعاد لا بتلك العبارة فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: هَذَا شَيْء آخر لَمْ أحفظه تعيده عَلِي مرة أُخْرَى فأعاد بعبارة أُخْرَى.

فَقَالَ عَبْد اللَّهِ: لَيْسَ يمكنني حفظ مَا تقول أمله عَلَيْنَا.

فَقَالَ: إِن كنت أجزته فأنا أميله.

فقام عَبْد اللَّهِ وَقَالَ بفضله واعتراف بعلو شأنه فَإِذَا كَانَ أصول هذه الطائفة أصح الأصول ومشايخهم أكبر النَّاس وعلماؤهم أعلم النَّاس فالمريد الَّذِي لَهُ إيمان بِهِمْ إِن كَانَ من أهل السلوك والتدرج إِلَى مقاصدهم فَهُوَ يساهم فِيهَا خصوا بِهِ من مكاشفات الغيب فلا يحتاج إِلَى التطفل عَلَى من هُوَ خارج عَن هذه الطائفة وإن كَانَ يريد طريقة الاتباع وليس بمستقل بحاله ويريد أَن يعرج فِي أوطان التقليد إِلَى أَن يصل إِلَى التحقيق فليقلد سلفه وليجر عَلَى طريقة هذه الطبقة فإنهم أولى بِهِ من غيرهم ولقد سمعت الشيخ أبا عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي يَقُول: سمعت أبا بَكْر الرازي يَقُول: سمعت الشبلي يَقُول: مَا ظنك بعلم علم الْعُلَمَاء فِيهِ تهمة وسمعته يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِي بْن مُحَمَّد المخرمي يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ الفرغاني يَقُول: سمعت الجنيد يَقُول لو علمت أَن لِلَّهِ علما تَحْتَ أديم السماء أشرف من هَذَا العلم الَّذِي نتكلم فِيهِ مَعَ أَصْحَابنا وإخواننا لسعيت إِلَيْهِ ولقصدته وإذا أحكم المريد بينه وبين اللَّه تَعَالَى عقده فيجب أَن يحصل من علم الشريعة إِمَّا بالتحقيق وإما بالسؤال عَنِ الأئمة مَا يؤدي بِهِ فرضه وإن اختلف عَلَيْهِ فتاوى الْفُقَهَاء يأخذ بالأحوط ويقصد أبدا لخروج من الخلاف فَإِن الرخص فِي الشريعة للمستضعفين وأَصْحَاب الحوائج والأشغال وَهَؤُلاءِ الطائفة لَيْسَ لَهُمْ شغل سِوَى القيام بحقه سبحانه ولهذا قيل: إِذَا انحط الفقير عَن درجة الحقيقة إِلَى رخصة الشريعة فَقَدْ فسخ عقده مَعَ اللَّه تَعَالَى ونقض عهده فيما بينه وبين اللَّه تَعَالَى ثُمَّ يجب عَلَى المريد أَن يتأدب بشيخ فَإِن لَمْ يكن لَهُ أستاذ لا يفلح أبدا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015