وأمسك نَفْسه عَنِ الشهوات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة وتعود أكل الحلال لَمْ تخطئ فراسته، وسئل أَبُو الْحَسَنِ النوري من أين تولدت فراسة المتفرسين فَقَالَ: من قَوْله تَعَالَى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: 29] فمن كَانَ حظه من ذَلِكَ النور أتم كانت مشاهدته أحكم وحكمه بالفراسة أصدق ألا ترى كَيْفَ أوجب نفخ الروح فِيهِ السجود لَهُ بقوله تَعَالَى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] قَالَ الأستاذ: وَهَذَا الْكَلام من أَبِي الْحَسَن النوري فِيهِ أدنى غموض وإبهام بذكر نفخ الروح لا لتصويب من يَقُول بقدم الأرواح ولا كَمَا يلوح لقلوب المستضعفين فَإِن الَّذِي يصح عَلَيْهِ النفخ والاتصال والانفصال فَهُوَ قابل للتأثير والتغيير وَذَلِكَ من سمات الحدوث وإن اللَّه سبحانه وتعالى خص الْمُؤْمِنيِنَ ببصائر وأنوار بِهَا يتفرسون وَهِيَ فِي الحقيقة معارف وعليه يحمل قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ ينظر بنور اللَّه أي: بعلم وبصيرة يخصه اللَّه تَعَالَى بِهِ ويفرده بِهِ من دُونَ أشكاله , وتسمية العلوم والبصائر أنوار غَيْر مستبدع ولا يبعد وصف ذَلِكَ بالنفخ والمراد منه الخلق.
وَقَالَ الْحُسَيْن بْن مَنْصُور: المتفرس هُوَ المصيب بأول مرماه إِلَى مقصده ولا يعرج عَلَى تأويل وظن وحسبان وقيل: فراسة المريدين تكون ظنا يوجب تحقيقا وفراسة العارفين تحقيق يوجب حقيقة وَقَالَ أَحْمَد بْن عَاصِم الأنطاكي: إِذَا جالستم أهل الصدق فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون فِي قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تحسون.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مَنْصُور بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت