الخلدي يَقُول: سمعت أبا جَعْفَر الحداد يَقُول: الفراسة أول خاطر بلا معارض فَإِن عارض معارض من جنسه فَهُوَ خاطر وحَدِيث نفس.
ويحكى عَن أَبِي عَبْد اللَّهِ الرازي نزيل نيسابور قَالَ كساني ابْن الأنباري صوفا ورأيت عَلَى رأس الشبلي قلنسوة ظريفة تليق بِذَلِكَ الصوف فتمنيت فِي نفسي أَن يكونا جميعا لي فلما قام الشبلي من مجلسه التفت إِلَى فتبعته وَكَانَ عادته إِذَا أراد أَن أتبعه يلتفت إِلَى فلما دَخَلَ داره دخلت فَقَالَ: انزع الصوف فنزعنه فلفه وطرح القلنسوة عَلَيْهِ ودعا بنار فأحرقهما.
وَقَالَ أَبُو حفص النَّيْسَابُورِيّ: لَيْسَ لأحد أَن يدعى الفراسة ولكن يتقى الفراسة من الغير، لأن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اتقوا فراسة المؤمن وَلَمْ يقل تفرسوا وكيف يصح دعوى الفراسة لمن هُوَ فِي محل اتقاء الفراسة وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن مسروق: دخلت عَلَى شيخ من أَصْحَابنا أدعوه فوجدته عَلَى حال رثة فَقُلْتُ فِي نفسي: من أين يرتزق هَذَا الشيخ فَقَالَ: يا أبا الْعَبَّاس دع عَنْك هذه الخواطر الدنيئة فَإِن لِلَّهِ ألطافا خفية.
ويحكى عَنِ الزبيدي قَالَ: كنت فِي مَسْجِد ببغداد مَعَ جَمَاعَة من الفقراء فلم يفتح عَلَيْنَا بشيء أياما فأتيت الخواص لأسأله شَيْئًا فلما وقع بصره عَلَى قَالَ: الحاجة الَّتِي جئت لأجلها يعلمها اللَّه تَعَالَى أم لا فَقُلْتُ: بلى فَقَالَ: اسكت ولا تبدها لمخلوق فرجعت وَلَمْ ألبث إلا قليلا حَتَّى فتح عَلَيْنَا بِمَا فَوْقَ الكفاية وقيل: كَانَ سهل بْن عَبْد اللَّهِ يوما فِي الجامع فوقع حمام فِي الْمَسْجِد من شدة مَا لحقه من الحر والمشقة فَقَالَ سهل: إِن شاه الكرماني مَات الساعة إِن شاء اللَّه تَعَالَى فكتبوا ذَلِكَ فكان كَمَا قَالَ.
وقيل: خرج أَبُو عَبْد اللَّهِ التروغندي وَكَانَ كبير الوقت إِلَى طوس فلما بلغ خر وَقَالَ لصاحبه اشتر الخبز فاشترى مَا يكفيهما فَقَالَ: اشتر أَكْثَر فاشترى صاحبه مَا يكفى عشرة أنفس تعمدا فكأنه لَمْ يجعل لقول ذَلِكَ الشيخ تحقيقا قَالَ فلما صعدنا إِلَى الجبل إِذَا بجماعة قيدتهم اللصوص لَمْ يأكلوا منذ مدة فسألونا الطعام فَقَالَ: قدم إليهم السفرة