فأما حقيقتها فهي نهوض القلب فِي طلب الحق سبحانه ولهذا يقال إنها لوعة تهون كُل روعة.
سمعت الأستاذ أبا عَلِي الدقاق يَقُول حاكيا عَن ممشاد الدينوري أَنَّهُ قَالَ: مذ علمت أَن أحوال الفقراء جد كلها لَمْ أمازح فقيرا وَذَلِكَ أَن فقيرا قدم عَلَى فَقَالَ: أيها الشيخ أريد أَن تتخذ لي عصيدة فجرى عَلَى لساني إرادة عصيدة فتأخر الفقير وَلَمْ أشعر بِهِ فأمرت باتخاذ عصيدة وطلبت الفقير فلم أجده فتعرفت خبره فقيل لي إنه انصرف من فوره وَكَانَ يَقُول فِي نَفْسه إرادة وعصيدة إرادة وعصيدة وهام عَلَى وجهه حَتَّى دَخَلَ البادية وَلَمْ يقل هذه الكلمة حَتَّى مَات.
وعن بَعْض المشايخ قَالَ كنت بالبادية وحدي فضاق صدري فَقُلْتُ: يا إنس كلموني يا جن كلموني فهتف بي هاتف إيش تريد فَقُلْتُ: أريد اللَّه تَعَالَى فَقَالَ: مَتَى تريد اللَّه يعنى أَن من قَالَ للجن والإنس كلموني مَتَى يَكُون مريدا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والمريد لا يفتر آناء الليل والنهار فَهُوَ فِي الظاهر بنعت المجاهدات وَفِي الباطن بوصف المكابدات فارق الفراش ولازم الانكماش وتحمل المصاعب وركوب المتاعب وعالج الأخلاق ومارس المشاق وعانق الأهوال وفارق الأشكال كَمَا قيل:
ثُمَّ قطعت الليل فِي مهمه ... لا أسدا أخشى ولا ذيبا
يغلبني شوقي فأطوي السرى ... وَلَمْ يزل ذو الشوق مغلوبا
سمعت الأستاذ أبا عَلي الدقاق يَقُول الإرادة لوعة فِي الفؤاد لدغة فِي القلب غرام فِي الضمير انزعاج فِي الباطن نيران تتأجج فِي القلوب.
سمعت مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن يَقُول: سمعت مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ يَقُول: سمعت أبا بَكْر السباك يَقُول: سمعت يُوسُف بْن الْحُسَيْن يَقُول كَانَ بَيْنَ أَبِي سُلَيْمَان وَأَحْمَد بْن أَبِي الحواري عقد لا يخالفه أَحْمَد فِي شَيْء يأمره بِهِ فجاء يوما وَهُوَ يتكلم فِي مجلسه فَقَالَ: إِن التنور قَدْ سجر فَمَا تأمره فلم يجبه فَقَالَ: مرتين أَوْ ثلاثة فَقَالَ: أَبُو سُلَيْمَان اذهب فاقعد فِيهِ كَأَنَّهُ ضاق بِهِ قلبه وتغافل عَنْهُ أَبُو سُلَيْمَان ساعة ثُمَّ ذكر فَقَالَ: أدركوا أَحْمَد فَإِنَّهُ فِي التنور لأنه آلى عَلَى نَفْسه أَن لا يخالفني فنظروا فَإِذَا هُوَ فِي التنور لَمْ تحترق منه شعرة.