سمعت الأستاذ أبا عَلِيّ الدقاق يَقُول: كَانَ لبعض الأمراء وزير وَكَانَ بَيْنَ يديه يوما فالتفت إِلَيْهِ بَعْض الغلمان الَّذِينَ كَانُوا وقوفا لا لريبة ولكن لحركة أَوْ صوت أحس بِهِ مِنْهُم فاتفق أَن ذَلِكَ الأمير نظر إِلَى هَذَا الوزير فِي تلك الحالة فخاف الوزير أَن يتوهم الأمير أَنَّهُ نظر إليهم لريبة فجعل ينظر إِلَيْهِ كَذَلِكَ فبعد ذَلِكَ اليوم كَانَ هَذَا الوزير يدخل عَلَى هَذَا الأمير وَهُوَ أبدا ينظر إِلَى جانب حَتَّى توهم الأمير أَن ذَلِكَ خلقه وحول فِيهِ فهذا مراقبة مخلوق لمخلوق فكيف مراقبة العبد لسيده.
سمعت بَعْض الفقراء يَقُول كَانَ أمِير لَهُ غلام يقبل عَلَيْهِ أَكْثَر من إقباله عَلَى غيره من غلمانه وَلَمْ يكن أكثرهم قيمة ولا أحسنهم صورة فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِكَ فأراد الأمير أَن يبين لَهُمْ فضل الغلام فِي الخدمة عَلَى غيره فيوما من الأيام كَانَ راكبا ومعه الحشم وبالبعد مِنْهُم جبل عَلَيْهِ ثلج فنظر الأمير إِلَى ذَلِكَ الثلج وأطرق رأسه فركض الغلام فرسه وَلَمْ يعلم الْقَوْم لماذا ركض فلم يلبث إلا يسيرا حَتَّى جاء ومعه شَيْء من الثلج فَقَالَ لَهُ الأمير: مَا أدراك أني أردت الثلج فَقَالَ الغلام: لأنك نظرت إِلَيْهِ ونظر السلطان إِلَى شَيْء لا يَكُون عَن غَيْر قصد صحيح.
فَقَالَ الأمير: إِنَّمَا أخصه بإكرامي وإقبالي، لأن لكل أحد شغلا وشغله مراعاة لحظاتي ومراقبة أحوالي وَقَالَ بَعْضهم: من راقب اللَّه تَعَالَى فِي خواطره عصمه اللَّه تَعَالَى فِي جوارحه وسئل أَبُو الْحُسَيْن بْن هند: مَتَى يهش الراعي غنمه بعصا الرعاية من مراتع الهلكة فَقَالَ: إِذَا علم أَن عَلَيْهِ رقيبا.
وقيل: كَانَ ابْن عُمَر فِي سفر فرأى غلاما يرعى غنما فَقَالَ لَهُ: تبيع من هذه الغنم.
واحدة فَقَالَ: إنها ليست لي فَقَالَ: قل لصاحبها إِن الذئب أخذ منها واحدة فَقَالَ العبد: فأين اللَّه فكان ابْن عُمَر يَقُول بَعْد ذَلِكَ إِلَى مدة قَالَ ذَلِكَ العبد فأين اللَّه.
وَقَالَ الجنيد: من تحقق فِي المراقبة خاف عَلَى فوت حظه من ربه عَزَّ وَجَلَّ لا غَيْر وَكَانَ بَعْض المشايخ لَهُ تلامذة فكان يخص واحدا مِنْهُم بإقباله عَلَيْهِ أَكْثَر مِمَّا يقبل عَلَى غيره فَقَالُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أبين لكم فدفع إِلَى كُل واحد من تلامذته طائرا