وَقَالَ بَعْض المشايخ: إِن نفسك لا تصدق وقلبك لا يكذب ولو اجتهدت كُل الجهد أَن تخاطبك روحك لَمْ تخاطبك وفرق الجنيد بَيْنَ هواجس النفس ووساوس الشَّيْطَان بأن النفس إِذَا طالبتك بشيء ألحت فلا تزال تعاودك ولو بَعْد حِينَ حَتَّى تصل إِلَى مرادها ويحصل مقصودها اللَّهُمَّ إلا أَن يدوم صدق المجاهدة ثُمَّ إنها تعاودك وتعاودك وَأَمَّا الشَّيْطَان إِذَا دعاك إِلَى زلة فخالفته بترك ذَلِكَ يوسوس بزلة أُخْرَى، لأن جَمِيع المخالفات لَهُ سواء وإنما يريد أَن يكن داعيا أبدا إِلَى زلة مَا ولا غرض لَهُ فِي تخصيص واحد دُونَ واحد وقيل: كُل خاطر يَكُون من الْمَلِك فربما يوافقه صاحبه وربما يخالفه فأما خاطر يَكُون من الحق سبحانه فلا يحصل خلاف من العبد لَهُ وتكلم الشيوخ فِي الخاطر الثَّانِي إِذَا
كَانَ الخاطران من الحق سبحانه هل هُوَ أقوى من الأَوَّل فَقَالَ الجنيد: الخاطر الأَوَّل أقوى لأنه إِذَا بقي رجع صاحبه عَلَى التأمل وَهَذَا بشرط العلم فترك الأَوَّل يضعف الثَّانِي وَقَالَ ابْن عَطَاء الثَّانِي أقوى لأنه ازداد قوة بالأول وَقَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن خفيف من المتأخرين هما سواء، لأن كليهما من الحق فلا مزية لأحدهما عَلَى الآخر وَالأَوَّل لا يبقى فِي حال وجود الثَّانِي، لأن الآثار لا يَجُوز عَلَيْهَا البقاء