ولو تقصَّى الله على خلقه لعذبهم، ولذلك قال: " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابةٍ ". ولكنه قبل التوبة، وأقال العثرة، وجعل بالحسنة أضعافها.
واعلم أن الحكم في الآخرة هو الحكم في الدنيا: ميزانٌ قسط، وحكمٌ عدل. وقد قال الله تعالى: " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون ".
وهذا مثلٌ ضربه الله؛ لأن الناس يعلمون أن لو وضع في إحدى كفتي الميزان شيءٌ ولم يك في الأخرى قليلٌ ولا كثير، لم يكن للوزن معنىً يعقل. وذلك أن أحداً من الخلق لا يخلو من هفوةٍ أو زلة أو غفلة؛ فأخبر أن من كان حسناته الراجحة على سيئاته، مع الندم على السيئات، كان على سبيل النجاة، وطريق الفوز بالإفلاح. ومن مالت سيئاته كان العطب والعذاب أولى به.
وكذلك حكمه في الدنيا؛ لأنه قد تولى أولياء من خلقه وشهد لهم بالعدالة، وقد عاتبهم في بعض الأمور لغلبة الصلاح في أفعالهم وإن هفوا، وتبرأ من آخرين وعاداهم لغلبة الجور على أفاعيلهم، وإن أحسنوا في بعض الأمور.