وكذلك جرت معاملات الخلق بينهم، يعدلون العادل بالغالب من فعله وربما أساء، ويفسقون الفاسق وربما أحسن. وإنما الأمور بعواقبها، وإنما يُقضى على كل امرئ بما شاكل أحواله.
فهذه الأمور قائمة في العقول، جرت عليها المعاملة، واستقامت بها السياسة، لا اختلاف بين الأمة فيها.
فلا تغبننَّ حظك من دينك، وإن استطعت أن تبلغ من الطاعة غايتها فلنفسك تُمهِّد، وإلا فاجهد أن يكون أغلب أفعالك عليك الطاعة، مع الندامة عند الإساءة، ويكون ميلك عند الإساءة، إلى الله أكثر. والله يوفقك.
اعلم أن الله جل ثناؤه خلق خلقه، ثم طبعهم على حب اجترار المنافع، ودفع المضار، وبغض ما كان بخلاف ذلك. هذا فيهم طبعٌ مركب، وجبلة مفطورة، لا خلاف بين الخلق فيه؛ موجودٌ في الإنس والحيوان، لم يدع غيره مدعٍ من الأولين والآخرين. وبقدر زيادة ذلك ونقصانه تزيد المحبة والبغضاء؛ فنقصانه كزيادته تميل الطبيعة معهما كميل كفتي الميزان، قل ذلك أو أكثر.