واعلم أن الآداب إنّما هى آلاتٌ تصلح أن تستعمل في الدّين وتستعمل في الدنيا، وإنما وضعت الآداب على أصول الطبائع. وإنما أصول أمور التدبير في الدّين والدنيا واحدة، فما فسدت فيه المعاملة في الدّين فسدت فيه المعاملة في الدنيا، وكل أمرٍ لم يصح في معاملات الدنيا لم يصح في الدّين. وإنما الفرق بين الدين والدنيا اختلاف الدارين من الدنيا والآخرة فقط، والحكم ها هنا الحكم هناك، ولولا ذلك ما قامت مملكة، ولا ثبتت دولة، ولا استقامة سياسة. ولذلك قال اللَّه عزَّ وجل: " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً "، قال ابن عباس في تفسيرها: من كان ليس له من العقل ما يعرف به كيف دبِّرت أمور الدنيا، فكذلك هو إذا انتقل إلى الدين، فإنما ينتقل بذلك العقل. فبقدر جهله بالدنيا يكون جهله بالآخرة أكثر؛ لأن هذه شاهدةٌ وتلك غيب؛ فإذا جهل ما شاهد فهو بما غاب عنه أجهل.

فأوّل ما أوصيك به ونفسي تقوى اللَّه؛ فإنها جماع كل خير، وسبب كل نجاة، ولقاح كل رشد. هي أحرز حرزٍ، وأقوى معين، وأمنع جُنَّة. هي الجامعة محبة قلوب العباد، والمستقبلة بك محبة قلوب من لا تجري عليهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015