وقد علمت أن في كثير من الحق مشبهات لا تستبان إلا بعد النظر، وهناك يختل الشيطان أهل الغفلة، وذاك أنه لا يجد سبيلاً إلى اختداعهم عن الأمور الظاهرة.
فلم أدع من تلك المواضع الخفية موضعاً إلا أقمت لك بإزاء كل شبهة منه دليلاً، ومع كل خفيًّ من الحق حجةً ظاهرة تستنبط بها غوامض البرهان وتستبين بها دقائق الصواب، وتستشف بها سرائر القلوب، فتاتى ما تأتى عن بينة، وتدع ما تدع عن خبرة، ولا يكون بك وحشةٌ إلى معرفةِ كثيرٍ مما يغيب عنك، إذا عرفت العلل والأسباب، حتى كأنك مشاهدٌ لضمير كل امرئٍ، لمعرفتك بطبعه وماركب عليه، وعوارض الأمور الداخلة عليه مم؛ غير راضٍ لك بالأصول حتى أتقصى لك ما بلغه علمي من الفروع.
ثم لا أرسم لك من ذلك إلا الأمر المعقول في كل طبيعة، والموجود في فطر البرايا كلها. فإن أحسنت رعاية ذلك وأقمته على حدوده، ونزلته منازله، كان عمرك - وإن قصرت أيامه - طويلاً، وفارقت ما لابدّ لك من فراقه محموداً، إن شاء الله.