وعلمت أن ذلك من أعظم ما أبرك به، وارجح ما أتقرب به إليك. وكان الذي حداني على ذلك ما رأيت الله قسم لك من الفهم والعقل، وركب فيك من الطبع الكريم.

وقد أجمعت الحكماء أن العقل المطبوع والكرم الغريزي لا يبلغان غاية الكمال إلا بمعاونة العقل المكتسب. ومثلوا ذلك بالنار والحطب، والمصباح والدهن. وذلك أن العقل الغريزي آلة والمكتسب مادة، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك.

ورأيت كثيراً من واضعي الآداب قبلي قد عهدوا إلى الغابرين بعدهم في الآداب عهوداً قاربوا فيها الحق، وأحسنوا فيها الدلالة، إلا أنى رأيت أكثر ما رسموا من ذلك فروعاً لم يبينوا عللها، وصفاتٍ حسنةٍ لم يكشفوا أسبابها، وأموراً محمودة لم يدلوا علىأصولها.

فإن كان ما فعلوا من ذلك رواياتٍ رووها عن أسلافهم، ووراثات ورثوها عن أكابرهم، فقد قاموا بأداء الأمانة، ولم يبلغوا فضيلة من استنبط. وغن كانوا تركوا الدلالة على علل الأمور التي بمعرفة عللها يوصل إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015