الرسائل للجاحظ (صفحة 233)

والحازم لا يلتمس شفاء غيظه باجتلاب ضعفه، ولا يطفئ نار غضبه تأخر عقوبة من أغضبه، ولا يسدد سهمه إلا والغرض ممكن، والغاية قريبة، ولا يهرب إلا والمهرب معجزة.

إن سلطان الغيظ غشوم، وإن حكم الغضب جائر، وأضعف ما يكون العزم عن التصرف أضعف ما يكون الحزم. والغضب في طباع الشيطان، والهوى يتصور في صورة امرأة، فلا يبصر مساقط العيب ومواقع الشرف إلا كلُّ معتدل الطباع، ومعتدل الأخلاط مستوي الأسباب.

والله لقد كنت أكره لك سرف الرضا مخافة جواذبه إلى سرف الهوى. فما ظنك بسرف الغضب، وبغلبة الغيظ، ولا سيما ممن قد تعود إهمال النفس ولم يعودها الصبر، ولم يعرِّفها موضع الحظ في تجرع مرارة العفو، وأن المراد من الأمور عواقبها لا عواجلها.

ولقد كنت أشفق عليك من إفراط السرور فما ظنك بإفراط الغيظ. وقد قال بعض الناس: لا خير في طول الراحة إذا كان يورث الغفلة، ولا في الكفاية إذا كان يؤدي إلى المعجزة، ولا في كثرة الغنى إذا كان يخرج إلى البلدة.

جُعلت فداك. إن داء الحزن وإن كان قاتلاً فإنه داءٌ مماطل، وسقمه سقم مطاول، ومعه من التمهُّل بقدر قسطه من أناة المرة السوداء. وداء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015