وإن كان أمرهم كما قلت، وشأنهم كما وصفت، فذاك ألوم لك، وأثبت للحجة عليك.
وسأؤخر عذلك إلى الفراغ منهم، وتوقيفك بعد التنويه بهم.
أقول: وإن كان النبل بالتنبل، واستحقاق العظم بالتعظم وبقلة الندم والاعتذار، وبالتهاون بالإقرار، فكل من كان أقل حياءً، وأتم قحة، وأشد تصلفاً، وأضعف عدة، أحق بالنبل وأولى بالعذر.
وليس الذي يوجب لك الرفعة أن تكون عند نفسك دون أن يراك الناس رفيعاً، وتكون في الحقيقة وضيعاً.
ومتى كنت من أهل النبل لم يضرك التنبل، ومتى لم تكن من أهله لم ينفعك التنبل.
وليس النبل كالرزق، يكون مرزوقاً الحرمان أليق به، ولا يكون نبيلاً السخافة أشبه به.
وكل شيء من أمر الدنيا قد يحظى به غير أهله، كما يحظى به أهله.
وما ظنك بشيء المروءة خصلة من خصاله، وبعد الهمة خلة من خلاله، وبهاء المنظر سبب من أسبابه، وجزالة اللفظ شعبة من شعبه، والمقامات الكريمة طريق من طرقه.