والكبر - أعزك الله تعالى - باب لا يعد احتماله حلماً، ولا الصبر على أهله حزماً، ولا ترك عقابهم عفواً، ولا الفضل عليهم مجداً، ولا التغافل عنهم كرماً، ولا الإمساك عن ذمهم صمتاً.
واعلم أن حمل الغنى أشد من حمل الفقر، واحتمال الفقر أهون من احتمال الذل. على أن الرضا بالفقر قناعة وعز، واحتمال الذل نذالة وسخف. ولئن كانوا قد أفرطوا في لوم العشيرة، والتكبر على ذوي الحرمة، لقد أفرطت في سوء الاختيار، وفي طول مقامك على العار.
وأنت مع شدة عجبك بنفسك، ورضاك عن عقلك، خالطت من موته يضحك السن، وحياته تورث الحزن، وتشاغلك به من أعظم الغبن.
وشكوت تنبلهم عليك، واستصغارهم لك، وأنك أكثر منهم في المحصول، وفي حقائق المعقول. ولو كنت كما تقول لما أقمت على الذل ولما تجرعت الصبر وأنت بمندوحة منهم، وبنجوة عنهم. ولعارضتهم من الكبر بما يهضهم، ومن الامتعاض بما يبهرهم.
وقلت: ولو كانوا من أهل النبل عند الموازنة، أو كان معهم ما يغلط الناس فيه عند المقايسة لعذرتهم واحتججت عنهم، ولسترت عيبهم، ولرقعت وهيهم. ولكن أمرهم مكشوف، وظاهرهم معروف.