الرسائل للجاحظ (صفحة 1290)

لا تمر عليه دابة لأنها جذوع مقيدة بلا طين، وما يمشي عليها الماشي إلا بالجهد؛ فما ظنك بالحوافر والخفاف والأظلاف؟ ! وعامة الكوفة خراب يباب، ومن بات فيها علم أنه في قرية من القرى ورستاق من الرساتيق، بما يسمع من صياح بنات آوى، وضباح الثعالب، وأصوات السباع. وإنما الفرات دمما إلى ما اتصل به إلى بلاد الرقة، وفوق ذلك.

فإما نهرهم فالنيل أكبر منه، وأكثر ماءً، وأدوم جرية.

وقد تعلمون كثرة عدد أنهار البصرة، وغلبة الماء، وتطفح الأنهار.

وتبقى النخلة عشرين ومائة سنة وكأنها قدح. وليس يرى من قرب القرية التي يقال لها النيل إلى أقصى أنهار الكوفة نخلة طالت شيئاً إلا وهي معوجة كالمنجل. ثم لم نر غارس نخل قط في أطراف الأرض يرغب في فسيل كوفي، لعلمه بخبث مغرسه، وسوء نشوه، وفساد تربته، ولؤم طبعه.

وليس لليالي شهر رمضان في مسجدهم غضارة ولا بهاء، وليس منار مساجدهم على صور منار البصرة، ولكن على صور منار الملكانية واليعقوبية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015