وقد رأيتك - حفظك الله - خونت جميع الوكلاء وفجرتهم، وشنعت على جميع الوراقين وظلمتهم، وجمعت جميع المعلمين وهجوتهم، وحفظت مساويهم، وتناسيت محاسنهم، واقتصرت على ذكر مثالب الأعلام والجلة، حتى صوب نفسك عند السامع لكلامك، والقارىء كتابك، أنك ممن ينكر الحق جهلا، أو يتركه معاندة له. وقد علم الناس أن من تركه جهلاً به أصغر إثماً ممن تركه عمداً.
ولعمري إن العلم لطوع يديك، والمتصرف مع خواطرك، والمستملي من بديهتك، كما يستملي من ثمرة فكرك، والمحصل من رويتك. ولكن الرأي لك أن لا تثق بما يرسمه العلم في الخلا، وتتوقاه في الملا.
اعلم أنك متى تفردت بعلمك استرسلت إليه. ومتى ائتمنت على نفسك نواجم خطرك، فقد أمكنت العدو من ربقة عنقك. وبنية الطبائع وتركيب النفوس، والذي جرت عليه العادة، إهمال النفس في الخلا، واعتقالها في الملا.
فتوقف عند العادة، واتهم النفس عند الاسترسال والثقة. قال ابن هرمة: