الرسائل للجاحظ (صفحة 1244)

على نفسه من السكران، ولولا أن نار الغضب تخبو قبل إفاقة المعتوه، وضباب السكر ينكشف قبل انكشاف غروب عقل المدله، وأن حكم الظاعن خلاف حكم المقيم، وقضية المجتاز خلاف قضية الماكث، لكانت حال الغضبان أسوأ مغبة، وجهله أوبى، على أن الحكم له ألزم والناس له ألوم.

وما أكثر ما يقحم الغضب المقاحم التي لا يبلغها جناية الجنون، وفرط جهل المصروع.

فصل منه

وإن الغمر لا يكون إلا عديم الآلة، منقطع المادة، يرى الغي رشدأً والغلو قصداً. فلو كنت إذا جنيت لم تقم على الجناية، وإذا عزمت على القول لم تخلده في الكتب، وإذا خلدته لم تظهر التبجح به، والاستبصار فيه، كان علاج ذلك أيسر، وكانت أيام سقمك أقصر.

فأخزى الله التصميم إلا مع الحزم، والاعتزام إلا بعد التثبت والعلم إلا مع القريحة المحمودة، والنظر إلا مع استقصاء الروية.

وأخلق بمن كان في صفتك، وأحر بمن جرى على دربك، ألا يكون سبب تسرعه، وعلة تشحنه إلا من ضيق الصدر.

وجميع الخير راجع إلى سعة الصدر. فقد صح الآن أن سعة الصدر أصل، وما سوى ذلك من أصناف الخير فرع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015