الرسائل للجاحظ (صفحة 1225)

فاعرف طرائفهم وشيمهم، وداو كل من لا بد لك من معاشرته، بالدواء الذي هو أنجع فيه، إن ليناً فليناً، وإن شدة فشدة، فقد قيل في مثل:

من لا يؤدبه الجمي ... ل ففي عقوبته صلاحه

فصل منه

واعلم أن المقادير ربما جرت بخلاف ما تقدر الحكماء، فينال بها الجاهل في نفسه، المختلط في تدبيره، ما لا ينال الحازم الأريب الحذر، فلا يدعونك ما ترى من ذلك إلى التضييع والاتكال على مثل تلك الحال؛ فإن الحكماء قد اجتمعت على أن من أخذ بالحزم وقدم الحذر، فجاءت المقادير خلاف ما قدر، كان عندهم أحمد رأياً، وأوجب عذراً ممن عمل بالتفريط، وإن اتفقت له الأمور على ما أراد.

ولا تكونن بشيء مما في يدك أشد ضناً، ولا عليه أشد حدباً منك بالأخ الذي قد بلوته بالسراء والضراء فعرفت مذاهبه، وخبرت شيمه، وصح لك غيبه، وسلمت لك ناحيته، فإنه شقيق روحك، وباب الروح إلى حياتك، ومستمد رأيك وتوأم عقلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015