وكان من نعمة الله عندي أن جعل أبا عبد الله - حفظه الله - وسيلتي إليك، فوجدت المطلب سهلاً، والمراد محموداً، وأفضيت إلى ما يجوز الأمنية ويفوت الأمل. فوصلت إخاي بمودتك، وخلطتني بنفسك، وأسمتني في مراعي ذوي الخاصة بك تفضلا لا مجازاة، وتطولاً لا مكافاة، فأمنت الخطوب، واعتليت على الزمان، واتخذتك للأحداث عدة، ومن نوائب الدهر حصناً منيعاً.
فلما جرت المؤانسة، وتقلبت من فضلك في صنوف النعمة، وزاد تصرفي في مواهبك في السرور والحبرة، أردت خبرة المشاهدة فبلوت أخلاقك، وامتحنت شيمك، وعجمت مذاهبك، على حين غفلاتك، وفي الأوقات التي يقل فيها تحفظك، أراعي حركاتك، وأراقب مخارج أمرك ونهيك، فأرى من استصغارك لعظيم النعمة التي تنعم بها، واستكثارك لقليل الشكر من شاكريك، ما أعرف به وبما قد بلوت من غيرك وما قد شهدت لي به عليك التجارب، أن ذلك منك طبع غير تكلف.
هيهات ما يكاد ذو التكلف أن يخفى على أهل الغباوة، فكيف على مثلي من المتصفحين؟