من صنوف النعم في أكثر مما تصرفوا، وربط عليك من نعم الله التي خولك ما أطلقه من أيديهم إيثار اللهو، وتسليطهم الهوى على أنفسهم فخاض بك تلك اللجج، واستنقذك من تلك المعاطب، فأخرجك سليم الدين، وافر المروءة، نقي العرض، كثير الشراء، بين الجدة. وذلك سبيل من كان ميله إلى الله أكثر من ميله إلى هواه.
فلم أزل في أحوالك كلها تلك بفضيلتك عارفاً، ولك بنعم الله عندك غابطاً، أرى ظواهر أمرك المحمودة تدعوني إلى الانقطاع إليك، وأسأل عن بواطن أحوالك فيزيدني رغبة في الاتصال بك، ارتياداً مني لموضع الخيرة في الأخوة، والتماساً لإصابة الاصطفاء في المودة، وتخيراً لمستودع الرجاء في النائبة.
فلما محصتك الخبرة، وكشف الابتلاء عن المحمدة، وقضت لك التجارب بالتقدمة، وشهدت لك قلوب العامة بالقبول والمحبة، وقطع الله عذر من كان يطلب الاتصال بك، طلبت الوسيلة إليك والاتصال بحبلك، ومتت بحرمة الأدب وذمام كرمك.