ويتوضأ منها وينتفع بها هو وأولاده مع الناس، وكما يوقف مسجداً ويصلي فيه.
وعبارة البخاري في صحيحه: " وتصدق أنس بدار، فكان إذا قدم نزلها "، " وتصدق الزبير بدوره، واشترط للمردودة من بناته أن تسكنها ". فتأمل عبارة البخاري، يتبين لك أن ما ذكر عن الصحابة، مثل من وقف نخلاً على المفطرين من الفقراء في هذا المسجدن ويقول: إن افتقر أحد من ذريتي فليفطر معهم، فأين هذا من وقف الجنف والإثم؟ على أن هذه العبارة كلام الحميدي، والحميدي في زمن القاضي أبي يعلى، وأجمع أهل العلم على أن مراسيل المتأخرين لا يجوز الاحتجاج بها، فمن احتج بها فقد خالف الإجماع. هذا لو فرضنا أنه يدل على ذلك، فكيف وقد بينا معناه ولله الحمد؟
إذا تبين لك أن من أجاز الوقف على الأولاد والتفضيل، لم يجد إلا حديث عمر وقوله: " ليس على من وليه جناح "، وأن الموفق وغيره ردوا على من احتج به، تبين لك أن حديث عمر من أبين الأدلة على بطلان وقف الجنف والإثم. وأما قوله: لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو مقدرة إلا وقف، فهل هذا يدل على صحة وقف الجنف والإثم؟ وما مثله إلا كمن رأى رجلاً يصلي في أوقات النهي، فأنكر عليه، فقال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلَّى} 1، ويقول: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون، أو يذكر فضل الصلوات؛ وكذلك مسألتنا، إذا قلنا: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} 2، {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} 3، وغير ذلك، أو قلنا: " إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث " 4، أو قلنا: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلظ القول فيمن تصدق بماله كله، أو قلنا: " اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم " 5، وادعوا علينا أن الصحابة وقفوا، هل أنكرنا الوقف كأهل الكوفة حتى يحتج علينا بذلك؟