الصحابة وأهل العلم هذا الوقف من هذا الحديث لبادروا إليه.
وأما حديث عمر أنه تصدق بالأرض على الفقراء والرقاب والضيف وذوي القربى وأبناء السبيل، فهذا بعينه من أبين الأدلة على مسألتناح وذلك أن من احتج على الوقف على الأولاد ليس له حجة إلا هذا الحديث، لأن عمر قال: " لا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف "، وإن حفصة وليته، ثم وليه عبد الله بن عمر، فاحتجوا بأكل حفصة وأخيها دون بقية الورثة؛ وهذه الحجة من أبطل الحجج، وقد بينه الشيخ الموفق، رحمه الله، والشارح، وذكروا أن أكل الولي ليس زيادة على غيره، وإنما ذلك أجرة عمله كما كان في زماننا هذا، يقول صاحب الضحية: لوليها الجلد والأكارع، ففي هذا دليل من جهتين:
الأولى: أن من وقف من الصحابة مثل عمر وغيره لم يوقفوا على ورثتهم، ولو كان خيرا لبادروا إليه. وهذا المصحح لم يصحح بقوله: " ثم أدناك أدناك ". فإذا كان وقف عمر على أولاده أفضل من الفقراء، وأبناء السبيل، فما باله لم يوقف عليهم؟ أتظنه اختار المفضول وترك الفاضل؟ أم تظن أنه هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمره لم يفهما حكم الله؟
الثانية: أن من احتج على صحة الوقف على الأولاد وتفضيل البعض، لم يحتجّ إلا بقوله: " تليه حفصة ثم ذو الرأي، وإنه يأكل بالمعروف "، وقد بينا معنى ذلك، وأنه لم يبرّ أحداً، وإنما جعل ذلك للولي عن تعبه في ذلك. فإذا كان المستدل لم يجد عن الصحة إلا هذا، تبين لك أن قولهم: تصدق أبو بكر بداره على ولده، وتصدق فلان وفلان، وأن الزبير خص بعض بناته، ليس معناه كما فهموا، وإنما معناه أنهم تصدقوا بما ذكر صدقة عامة على المحتاجين، فكان أولاده إذا قدموا البلد نزلوا تلك الدار لأنهم من أبناء السبيل، كما يوقف الإنسان مسقاة